شونان تستخدم بطاريات توشيبا ليثيم سوبر سكايب فى دراجتها الكهربائيه

أعلنت شركة توشيبا أن بطاريات سكايب تم إختيارها من قبل مجموعه كنوندال الرياضيه العالميه ذات العلامة التجارية فى صناعه الدراجات .

أقصر 10 زعماء مشهورين في العَالم بالصوّر

1- غلوريا ماكاباغال أرويو, رئيسة جمهورية الفلبين, ويبلغ طولها 150 سم, ولدت الرئيسة في مقاطعة ريزال الفلبينية في الخامس من ابريل نيسان سَنة 1947 ميلادية. .

تصلب الشرايين أسبابه ... تأثيراته

الشرايين هي أوعية تنقل الدم الى جانب الأوردة، سنتناول تاثيرات تصلبها الصحية على الفرد. .

جريفي بيف مكسيكان

زمن تحضير الطبخــــة : 10 دقائق زمن الطهى على النــار : 15 دقيقة ♨ المقادير : .

كيف تتعامل مع العدسات اللاصقة؟

أكثرية الفتيات يحرصن على بروز جمالهن بأية طريقة من الطرق منها بروز الشعر والماكياج بألوانه الجذابة، بالإضافة إلى التألق في الملبس .

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

كل مايهم الزوجين (كتاب تحفة العروسين)

مقدمـــة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
 يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ واَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  .
 يَاأَيُّهَا النَاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الذى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  .
 يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  .
أما بعد فان أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهدى هدى محمدٍ  وشرَ الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .أما بعد فان أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهدى هدى محمدٍ  ، وشرَ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
بين يديك أخى فى الله كتاب قد حوى بين دفتيه كلمات موجزات فى بيان السبيل الذى شرعه الله تعالى لحفظ الأنساب وعمارة الكون (الزواج) ذلك السبيل الذى شرعه تعالى لعباده لإشباع الغريزة الجنسية ولحفظ الأنساب ، فالحمد لله تعالى أن جعل من شرعه تعالى الزواج ليكون سبيلاً لعمارة الكون ، بل ولقضاء شهوته وله فى كل هذا الأجر .


فالزواج سكن ، حرث الإسلام ، إحصان للجوارح ، طريق العفة ، متاع للحياة ، آية من آيات الله  كما أخبر فى كتابه العزيز COLOR="DarkGreen"]: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم : 20) .[/COLOR]
فهى كلمة أهمس بها فى أذن كل شاب وفتاة يتطلع إلى بناء الأسرة الإسلامية السعيدة ، التى تتخذ من كتاب ربها وسنة رسولها  منهجاً وسبيلاً ، وإلى كل عروسين تبدأ بهما مركب الحياة فى السير نحو الاخرة ، فهو إلى الشباب بحديث الشباب .
وأول خبث الماء خبث ترابه
وأول خبث القوم خبث المناكح
ولقد قسمت الكتاب إلى قسمين : حاولت فى القسم الأول من الكتاب أن أبين لكل شاب قد تأهب للزواج ما هو الطريق والسبيل الذى يجب عليه أن يسلكه عند اختياره لزوجة المستقبل ، ولكل فتاة قد تقدم لخِطبتها زوج المستقبل ، ما هى المعايير التى وضعها الإسلام فى اختيار الزوجة والزوج ، فهذه أهم خطوات الرجل والفتاة فى حياتهما ، وهى المركب إلى سيعتليها الرجل والمرأة فى بحر الحياة المتلاطم الأمواج ، فلينظر كلٌ إلى صاحب المجداف الآخر .
ثم ما هى الخطوات التى وضعها الإسلام للخِطبة والزواج ، وما يستتبع هذا العقد والميثاق الغليظ كما سماه تعالى : (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء : 21)
هذا الميثاق الذى سيربط الطرفين برباط الود والحب إلى يوم القيامة ، ثم تحدثت عن ليلة الزفاف وما على الرجل والمرأة فيها من آداب .
يستعرض الكتاب تلك الرحلة الشباب المباركة التى يقطعها الشاب المسلم بحثاً عن الزوجة المثالية التى تشاركه عمره فى طاعة الله ، فيستعرض الكتاب مراحل تلك الرحلة بداية من بيان المواصفات والأسس التى وضعها الإسلام لإختيار الزوجة الصالحة ،
ثم ما هى المواصفات التى على الزوج التحلى بها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله  .
ثم يستعرض الكتاب بعض ما يعنّ ويعرض للخاطب من مسائل تتعلق بالخِطبة وأحكامِها ، والصداقِ والكفاءة ، وغير ذلك من المسائل نحو :ـ الرؤية الشرعية وأحكامها .
ـ ماذا يحل للخاطب من خطيبته .
ـ ماذا يحل للخاطب بعد عقد النكاح .
ـ هل للخاطب أن ينفق على مخطوبته وهى لم تزل فى بيت أبيها .
ـ حِل الذهب المحلق للنساء .
ـ أحكام الزفاف : مكان العقد ، الولى ، أركان العقد وشروطه ، الدعاء للعروسين ، الوليمة ، إلى غير ذلك .
ـ بحث فى أحكام الخلع .
ـ بحث فى أحكام الزواج العرفى .
ـ وصايا للبيت السعيد .
ـ حق الزوجة .
ـ حق الزوج .
ـ سلوكيات للزوجين .
ثم يتعرض الكتاب لأحكام الجماع ومسائله ، ومنها : ـ أحكام الجماع وكيفية بدء ليلة الزفاف .
ـ تحريم جماع الدبر والحيض .
ـ علاج سرعة القذف .
ـ الأعشاب والأدوية التى تزيد فى الباه .
ـ فوائد الجنس ومضاره .
ـ حكم العزل .
ـ علاج الربط ليلة الزفاف .
فالله أسال عن يكون عملى صواباً وخالصاً لوجهه الكريم ، وإن كان ما سطرته صواباً فمن الله وحده ، وإن كان ثمّ خطأ فمنى والشيطان ، والله ورسوله برئ منه .
مجدى بن منصور بن سيد الشورى


كلمة شكر
واتباعاً لقوله  : "مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ" (1) أتقدم بكلمة شكر للأستاذ : محمود مهدى الاستانبولى ، لسبقه بالتأليف فى هذا الموضوع الطيب بكتابه القيم "تحفة العروس" والذى جمع صنوفاً من العلم لا يجحدها إلا كل مكابر ، والذى يعد مرجعاً هاماً لكل شاب وفتاة يُقدم على الزواج .
ولقد زدت فى كتابى هذا بعض المسائل التى لم يتعرض لها أو زيادة تفصيلها وبيانها لها حفظه الله تعالى ،
كمسألة الخلع ، والزواج العرفى ، وحكم العزل ، وحِل الذهب المحلق ، وقضية الربط ليلة الزفاف ، وفوائد الجنس ومضاره ، والختان ، وغير هذا مما سيمر بك إن شاء الله تعالى .
إلا أن الكتاب يُعد مرجعاً هاماً لكل من جاء بعده وصنف كتاباً على نفس الوتيرة ـ وإن لم يسند الأمر لأهله ـ فجزاه الله عنا كل خير وجمعنا الله وإياه تحت لواء نبينا محمد  ، آمين .


ـ الترغيب فى الزواج :
قال تعالى : (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور : 32) وقال تعالى : (هُوَ الذى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف : 189) وقال تعالى : يَاأَيُّهَا النَاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الذى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء : 1) ، وقال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم : 21) ، وقال تعالى : (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) (النحل : 72).
وكان  وهو من كان القرآن خلقه يحُث على الزواج ويرّغب فيه ، رولا البخارى عن عبد الرحمن بن يزيد قال : "دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِاللَّهِ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ  شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ  : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " (1) .


ـ قوله  الباءة : بالهمز وتاء تأنيث ممدود وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد يهمز ويمد بلا هاء ويقال لها أيضا الباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة وقيل بالمد: القدرة على مؤن النكاح ، وبالقصر الوطء ، قال الخطابى : المراد بالباءة النكاح وأصله الموضع الذى يتبوؤه ويأوى إليه ، وقال المازرى : اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوءها منزلاً ، وقال النووى : اختلف العلماء فى المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوى وهو الجماع ، فتقديره : من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهى مؤن النكاح فليتزوج ، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء ، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالباً .
والقول الثانى :
أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها،وتقديره : من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته والذى حمل القائلين بهذا على ما قالوه .
ـ قوله  : "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ" قالوا : والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن ، وانفصل القائلون بالأول عن ذلك بالتقدير المذكور ، اهـ .
والتعليل المذكور للبازرى ، وأجاب عنه عياض بأنه لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد
بقوله  : "مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ" أى بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله  : "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أى من لم يقدر على التزويج .
ـ قوله  : فَلْيَتَزَوَّجْ : زاد (1) فى "كتاب الصيام" من طريق أبى حمزة عن الأعمش هنا "فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ" .
ـ وقوله : "أَغَضُّ" : أى أشد غضاً ، "وَأَحْصَنُ" أى أشد إحصاناً له ومنعاً من الوقوع فى الفاحشة .
ـ قوله : "فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ أى حصن .
واستنبط القرافى من قوله : "فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" أن التشريك فى العبادة لا يقدح فيها بخلاف الرياء لأنه أمر بالصوم الذى هو قربه وهو بهذا القصد صحيح مثاب عليه ومع ذلك فأرشد إليه لتحصيل غض البصر وكف الفرج عن الوقوع فى المحرم ، اهـ (1) .
وفى الصحيحين عنه عن النبى  قال : "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " (2) .
وعن أنسٍ  : "أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ  عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا آكُلُ اللَّحْمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ، لَكِنِّى أُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى" (3) ، وفى سنن ابن ماجة من حديث ابن عباس يرفعه قال  : "لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ" (4) .
وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر قال : قال رسول : "الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" (5) .
وكان  يحرِّض أمته على نكاح الأبكار الحسان وذوات الدين ففى سنن النسائى عن أبى هريرة  قال : "الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ" (6) .
وقال  : "عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ" (1) ، ولما تزوج جابر  ثيباً قال له : "أَلَا تَزَوَّجْتَهَا بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا وَتُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا" (2) .وكان  يحث على نكاح الولود ويكره المرأة التى لا تلد كما فى سنن أبى داود عن معقل بن يسار : "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ : تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ (3)" (4) .
ـ وقال  : "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ" (5) .
وقيل :
وأول خبث الماء خبث ترابه وأول خبث القوم خبث المناكح
ـ الزواج من سنن المرسلين :
والزواج من سنن المرسلين كما أخبر تعالى فى كتابه العزيز : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) (الرعد : 38) ، وقال : "أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ التَّعَطُّرُ وَالنِّكَاحُ وَالسِّوَاكُ وَالْحَيَاءُ" (1) .
ـ وبشر  طالب العفاف بعون الله تعالى ، فقال : "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ " (2) .
وعن عبد الله بن مسعود  قال : "التمسوا الغنى فى النكاح ، يقول الله  : (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (3) .
ـ وكان هديه  فيه "أكمل هدى يحفظ به الصحة وتتم به اللذة وسرور النفس ويحصل به مقاصده التى وضع لأجلها ، فإن الجماع وضع فى الأصل لثلاثة أمور هى مقاصده الأصلية :
ـ أحدها : حفظ النسل ودوام النوع إلى إن تتكامل العدة التى قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
ـ الثانى : إخراج الماء الذى يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن .
ـ الثالث : قضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة وهذه وحدها هى الفائدة التى فى الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتقان يستفرغه الإنزال .
وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة ، قال جالينوس : الغالب على جوهر المنى النار والهواء ومزاجه حار رطب لأن كونه من الدم الصافى الذى تغتذى به الأعضاء الأصلية ، وإذا ثبت فضل المنى فاعلم أنه لا ينبغى إخراجه إلا فى طلب النسل أو إخراج المحتقن منه فإنه إذا دام احتقانه أحدث أمراضاً رديئة منها الوسواس والجنون والصرع وغير ذلك وقد يبرىء استعماله من هذه الأمراض كثيراً فإنه إذا طال احتباسه فسد واستحال إلى كيفية سمية توجب أمراضاً رديئة كما ذكرنا ولذلك تدفعه الطبيعة بالاحتلام إذا كثر عندها من غير جماع .


وقال بعض السلف : ينبغى للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثاً : أن لا يدع المشى فإن احتاج إليه يوماً قدر عليه ، وينبغى أن لا يدع الأكل فإن أمعاءه تضيق ، وينبغى أن لا يدع الجماع فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها ، وقال محمد بن زكريا : من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت قوى أعصابه وانسدت مجاريها وتقلص ذكره ، قال : ورأيت جماعة تركوه لنوعٍ من التقشف فبردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم كآبة بلا سبب وقلَّت شهواتهم وهضمهم . اهـ .
ومن منافعه غض البصر وكف النفس والقدرة على العفة عن الحرام وتحصيل ذلك للمرأة فهو ينفع نفسه فى دنياه وأخراه وينفع المرأة لذلك كان يتعاهده ويحبه ويقول : "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" (1) .
ـ التحذير من الزنا :
والزواج حصن واقى بين العبد وبين الوقوع فى الزنا ، وهو من أعظم الكبائر ، وقد حذر تعالى من الزنا ومفسدته ، فإنه "لما كانت مفسدة الزنا من أعظم المفاسد وهى منافية لمصلحة نظام العالم فى حفظ الأنساب وحماية الفروج وصيانة الحرمات وتوقى ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وبنته وأخته وأمه ، وفى ذلك خراب العالم كانت تلى مفسدة القتل فى الكبر ولهذا قرنها الله سبحانه بها فى كتابه ورسوله  فى سننه كما تقدم ،
قال الإمام أحمد : ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزناء ، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) (الفرقان : 68) الآية ، فقرن الزناء بالشرك وقتل النفس وجعل جزاء ذلك الخلود فى النار فى العذاب المضاعف المهين ما لم يرفع العبد وجبَ ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح .
وقد قال تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء : 32)
فأخبر عن فحشه فى نفسه وهو القبيح الذى قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه فى العقول حتى عند كثير من الحيوانات كما ذكر البخارى فى صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودى قال : "رأيت فى الجاهلية قرداً زنا بقردة فأجتمع القرود عليهما فرجموها حتى ماتا" (1) ، ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلاً فأنه سبيل هلكة وبوار وافتقار فى الدنيا وسبيل عذاب فى الآخرة وخزى ونكال ولما كان نكاح أزواج الآباء من أقبحه خصه بمزيد ذم فقال أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا وعلق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه فقال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله : (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون : 1-7) وهذا يتضمن ثلاثة أمور من لم يحفظ فرجه يكن من المفلحين وأنه من الملومين ومن العادين ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع فى اللوم فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها أيشر من بعض ذلك ونظير هذا أنه ذم الإنسان وأنه خلق هلوعاً لا يصبر على شر ولا خير بل إذا مسه الخير منع وبخل وإذا مسه الشر جزع إلا من استثناه بعد ذلك من الناجين من خلقه فذكر منهم : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون : 5-7) وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج فإن الحوادث مبدأها من النظر كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم خطوة ثم خطيئة ، ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه : اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات ، فينبغى للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ويلازم الرباط على ثغورها فمنها يدخل عليه العدو فيجوس خلال الديار ويتبر ما علوا تتبيراً (1) .
فالزواج هو الدرع والوجاء بين العبد وبين الوقوع فى الزنا والعياذ بالله تعالى ، والزواج أحد السبل التى تعين على شرع الله تعالى كما قال تعالى : (هُوَ الذى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف : 189) ، وقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم : 21) .
ـ محبة الزوجة تعين على طاعة الله تعالى :
فأما محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل قال تعالى : (هُوَ الذى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف : 189) ، وقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( الروم : 21) وفى الصحيح عنه  : "أنه سئل من أحب الناس إليك فقال : عائشة" (1) ، ولهذا كان مسروق ـ رحمه الله ـ يقول : إذا حدث عنها : حدثتنى الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله  المبرأة من فوق سبع سموات .
وصح عنه  أنه قال : "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" (2) .
فلا عيب على الرجل فى محبته لأهله وعشقه لها ، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله ، وزاحم حبه وحب رسوله فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها فهى مذمومة ، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهى محمودة ، ولذلك كان رسول الله يحب الشراب البارد الحلو ويحب الحلواء والعسل ويحب الخيل ، وكان أحب الثياب إليه القميص ، وكان يحب الدباء فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله ، فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها وقصده بفعل ما يحبه .
فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كانت قربة ، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد لم يثب ولم يعاقب ، وإن فاته درجة من فعله متقرباً به إلى الله (3) .
ـ ويجدر بنا هنا ذكر أزواج النبى : ـ أولاهن : خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية تزوجها قبل النبوة ولها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم ، وهى التى آزرته على النبوة وجاهدت معه وواسته بنفسها ومالها وأرسل الله إليها السلام مع جبريل وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين .
ـ ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية وهى التى وهبت يومها لعائشة .
ـ ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات حبيبة رسول الله  عائشة بنت أبى بكر الصديق وعرضها عليه الملك قبل نكاحها فى سرقة من حرير وقال : "هذه زوجتك" (1) تزوج بها فى شوال وعمرها ست سنين وبنى بها فى شوال فى السنة الأولى من الهجرة وعمرها تسع سنين (2) ولم يتزوج بكراً غيرها وما نزل عليه الوحى فى لحاف امرأةٍ غيرها ، وكانت أحب الخلق إليه ، ونزل عذرها من السماء ، واتفقت الأمة على كفر قاذفها ، وهى أفقه نسائه وأعلمهن بل أفقه نساء الأمة وأعلمهن على الإطلاق ، وكان الأكابر من أصحاب النبى يرجعون إلى قولها ويستفتونها وقيل إنها أسقطت من النبى  سقطاً ولم يثبت .
ـ ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وذكر أبو داود أنه طلقها ثم راجعها .
ـ ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بنى هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .
ـ ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبى أمية القرشية المخزومية واسم أبى أمية حذيفة بن المغيرة وهى آخر نسائه موتاً وقيل آخرهن موتاً صفية .
ـ ثم تزوج زينب بنت جحش من بنى أسد بن خزيمة وهى ابنة عمته أميمة وفيها نزل قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب : 37) .
ومن خواصها أن الله سبحانه وتعالى كان هو وليها الذى زوجها لرسوله من فوق سماواته وتوفيت فى أول خلافة عمر بن الخطاب وكانت أولاً عند زيد بن حارثة وكان رسول الله  تبناه فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته فى نكاح أزواج من تبنوه .
ـ وتزوج  جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بنى المصطلق فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .
ـ ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية وقيل اسمها هند تزوجها وهى ببلاد الحبشة مهاجرة وأصدقها عنه النجاشى أربعمائة دينار وسيقت إليه من هناك وماتت فى أيام أخيها معاوية هذا هو المعروف المتواتر عند أهل السير والتواريخ وهو عندهم بمنزلة نكاحه لخديجة بمكة ولحفصة بالمدينة ولصفية بعد خيبر .
ـ وتزوج  صفية بنت حيى بن أخطب سيد بنى النضير من ولد هارون ابن عمران أخى موسى فهى ابنة نبى وزوجة نبى وكانت من أجمل نساء العالمين وكانت قد صارت له من الصفى أمة فأعتقها وجعل عتقها صداقها فصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق الرجل أمته ويجعل عتقها صداقها فتصير زوجته بذلك فإذا قال أعتقت أمتى وجعلت عتقها صداقها أو قال جعلت عتق أمتى صداقها صح العتق والنكاح وصارت زوجته من غير احتياج إلى تحديد عقد ولا ولى وهو ظاهر مذهب أحمد وكثير من أهل الحديث .
وقالت طائفة هذا خاص بالنبى  وهو مما خصه الله به فى النكاح دون الأمة وهذا قول الأئمة الثلاثة ومن وافقهم والصحيح القول الأول لأن الأصل عدم الإختصاص حتى يقوم عليه دليل والله سبحانه لما خصه بنكاح الموهوبة له قال فيها : (خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب : 50) ، ولم يقل هذا فى المعتقة ولا قاله رسول الله  ليقطع تأسى الأمة به فى ذلك فالله سبحانه أباح له نكاح امرأة من تبناه لئلا يكون على الأمة حرج فى نكاح أزواج من تبنوه فدل على أنه إذا نكح نكاحاً فلأمته التأسى به فيه ما لم يأت عن الله ورسوله نص بالاختصاص وقطع لتأسى وهذا ظاهر .
ـ ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهى آخر من تزوج بها تزوجها بمكة فى عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح وقيل قبل إحلاله هذا قول ابن عباس ووهم فإن السفير بينهما بالنكاح أعلم الخلق بالقصة وهو أبو رافع وقد أخبر أنه تزوجها حلالاً وقال كنت أنا السفير بينهما وابن عباس إذ ذاك له نحو العشر سنين أو فوقها وكان غائباً عن القصة لم يحضرها وأبو رافع رجل بالغ وعلى يده دارت القصة وهو أعلم بها ولا يخفى أن مثل هذا الترجيح موجب للتقديم وماتت فى أيام معاوية وقبرها بـ "سرف" .
ـ قيل ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل القرظية سبيت يوم بنى قريظة فكانت صفى رسول الله  فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها .
وقالت طائفة بل كانت أمته وكان يطؤها بملك اليمين حتى توفى عنها فهى معدودة فى السرارى لا فى الزوجات والقول الأول اختيار الواقدى ووافقه عليه شرف الدين الدمياطى ، وقال : هو الأثبت عند أهل العلم وفيما قاله نظر فإن المعروف أنها من سراريه وإمائه ، والله أعلم .
فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتى دخل بهن وأما من خطبها ولم يتزوجها ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها فنحو أربع أو خمس ، وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة وأهل العلم بسيرته وأحواله  لا يعرفون هذا بل ينكرونه ، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها وكذلك الكلبية وكذلك التى رأى بكشحها بياضاً فلم يدخل بها والتى وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن هذا هو المحفوظ ، والله أعلم .
ولا خلاف أنه  توفى عن تسع وكان يقسم منهن لثمان عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية .
وأول نسائه لحوقاً به بعد وفاته  زينب بنت جحش سنة عشرين وآخرهن موتاً أم سلمة سنة اثنتين وستين فى خلافة يزيد ، والله أعلم .


ـ أما سراريه  :
فقال أبو عبيدة : كان له أربع : مارية وهى أم ولده إبراهيم وريحانة وجارية أخرى جميلة أصابها فى بعض السبى وجارية وهبتها له زينب بنت جحش (1) .
ـ الزواج فى الجاهلية :وكان الزواج فى الجاهلية على أربعة أوجه :
ـ فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها .
ـ ونكاح آخر : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلى إلى فلان فاستبضعى (2) منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذى تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة فى نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .
ـ ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذى كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل .
ـ والنكاح الرابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذى يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث محمد بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم (1) .
ـ أسس اختيار الزوجة :قال تعالى : (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (البقرة : 221) ، وقال تعالى : (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) (التحريم : 5) ، وقال تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب : 35) .
ـ روى البخارى عن أبى هريرة عن النبى  قال : "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " (2) .


ـ قوله : تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : أى لأجل أربع .
ـ قوله : لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا : الحسب فى الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر أبائهم وقومهم وحسبوها ، وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة .
ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يُستحب له أن يتزوج نسيبه إلا أن تعارض نسيبه غير ديّنة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا فى كل الصفات ، وأما قول بعض الشافعية : "يستحب أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة" فإن كان مستنداً إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه (1) .
ـ قوله : وَجَمَالِهَا : يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا أن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة نعم لو تساوتا فى الدين فالجميلة أولى ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق .
ـ قوله : فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ، فى حديث جابر : "فعليك بذات الدين" والمعنى أن اللائق بذى الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره فى كل شئ لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبى  بتحصيل صاحبة الدين الذى هو غاية البغية .
ـ قوله : تَرِبَتْ يَدَاكَ : أى لصقتا بالتراب ، وهى كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره أن صدور ذلك من النبى  فى حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه ، وحكى بن العربى أن معناه استغنت ورد بان المعروف اترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ووجه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب لأن جميع ما فى الدنيا تراب ولا يخفى بعده وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه تقدير شرط أى وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه بن العربى وقيل معنى افتقرت خابت (2) .
فأول الشروط وأهمها التى يجب أن تتوفر فى الزوجة : الدين ،كما قال تعالى : (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) (البقرة : 221) ولقوله تعالى : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ( (النور : 26) ، وقوله تعالى : (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) (النساء: 35) ، فإنها إن كانت على دين رجوتَ منها الخير ، وأول مظاهر تدين المرأة "الصلاة" ، وهى الصلة بين العبد وربه ، فإن كانت على صلة طيبة بينها وبين ربها رجوتَ منها أن تكون على صلة طيبة بينك وبينها ـ ولله المثل الأعلى ـ فمن فرطت فى أمر ربها وحقه لا عيب عليها إن فرطت فى أمر وحق زوجها !! ، ومن رضى أن تكون زوجته مفرطة فى أمر ربها وفرضه فلا يلومن إلا نفسه إن هى فرطت فى حقه ولم تحافظ على بيته .
ـ وإذا كانت الزوجة ذات دين فهى على خلق ، وهذا بديهى ، فالدين الإسلامى وهو دين الوسطية من يعتنقه يكون بين الإفراط والتفريط ، فلا هى مفرطة فى تدينها ولا هى مفرطة فى دينها ، وتراها وقد تخلقت بخلق القرآن الكريم ، من حجاب ومعاملات وحديث وغير هذا مما فرضه القرآن الكريم على المرأة .
وإذا انضم إلى الدين الجمال فبها ونعمت ، وقد رغَّب النبى فى الجمال فقال : "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" (1) ، وقوله وقد سئل : "أى النساء خير ؟ قال : "الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ" (2) ، والمرأة المتدينة الجميلة نور على نور ، وإن كانت ذات مال وحسب فقد جمعت من صفات الخير الكثير .
ـ ومن الصفات المطلوبة فى الزوجة أن تكون ودوداً ولوداً ، كما قال : " تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ" (3) .
ـ ومنها أيضاً : أن تكون ذات عطف وحنان لقوله : "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ" (1) .
ـ أن تكون بكراً : لقوله لجابر  : "أَلَا تَزَوَّجْتَهَا بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا وَتُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا" (2) .
ـ وصحَّ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ وعن أبيها أنها قالت يوماً لرسول الله  ـ وهى تشير إلى زواجه منها ، وهى البكر التى لم يتزوج رسول الله غيرها بكراً ـ : "أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ قَالَ فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا" (3) .
ـ فان كانت هناك قرينة تدعو إلى نكاح الثيب فبها ونعمت .
ـ ومن طريف ما روى فى الفرق بين الثيب والبكر أن جارية عرضت على الخليفة المتوكل فقال لها : أبكر أنت أم أيش ؟ قال : أيش يا أمير المؤمنين ! .
ـ واشترى أحدهم جارية فسألها : ما أحسبك إلا بكراً ! فقالت له : لقد كثرت الفتوح فى زمان الواثق ! .
ـ وقال أحدهم لجارية : أبكر أنت ؟ قالت : نعوذ بالله من الكساد (تعنى الثيوبة) ! .
ـ وعرضت على أحدهم جاريتان بكر وثيب فمال إلى البكر ، فقالت الثيب : أما رغبت فيها وما بينى وبينها إلا يوم ـ تعنى أنها ليلة بين البكر وكونها تكون ثيب ـ فقال لها : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) (الحج : 47) .
ـ أن تكون ممن تربى على مائدة القرآن والسنة ، لا ممن تربى على مائدة الشرق والغرب ، التى تجرى وتلهث خلف كل ما هو جديد فى عالم الموضة والأزياء والمناكير ، ودنيا "الكاسيت" والمطربين وتأخذ سنتها وقدوتها من المطربين والمطربات والراقصين والراقصات والممثلين والممثلات ، فالحذر أخى من الإقتران بفتاة لم تختمر بخمار ربها ، وقدمت عليه خمار أهل الفن والدعارة والمجون فعرَّاها ولم يسترها ، وجعلها سلعة معروضة لكل ذى عينين لينظرها ، وشفتين ليحدثها ويمازحها ويهاتفها ، ويدين فى الطريق والمواصلات يتحسسها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك (1) .


ـ ومن مواصفات الزوجة الصالحة أيضاً من :
ـ التى تحسن الإستماع إلى زوجها وتعينه على طاعة الله ، الرقيقة الطيبة الحانية الزاهدة الستيرة الراضية الرزينة الطاهرة العفيفة خفية الصوت الودودة الحليمة الرفيقة مَن ليست بالحنانة (1) أو المنانة (2) أو الأنانة (3) أو النقارة أو البراقة أو الخداعة أو الكذابة أو الحداقة (4) أو الشداقة (5) أو اللعوب أو المتفاكهة أو المتواكلة أو الكسولة أو المتهتكة أو العاهرة أو العصبية أو الخيالية أو العنيدة أو الساذجة ، ولا متمرضة ، ولا متشدقة ، ولا تفرط فى زينتها ، ولا مهملة لنفسها وجمالها .
ـ هذا ولا حرج فى عرض الرجل ابنته أو أخته على من يرى فيه الصلاح ، فقد عرض شعيب إبنته على موسى عليهما السلام كما أخبر تعالى عنه قوله : (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) (القصص : 27) الآية .
ـ وقد عرض الفاروق عمر  ابنته حفصة للزواج بعدما مات زوجها ، كما روى البخارى وغيره عن عمر بن الخطاب وقد تأيمت ابنته  يقول : "فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا ، قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا(6) ، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ(7) مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ  فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ  وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا" (1) .ـ ولم يزل هذا الأمر منذ رسول الله ثم صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من بعده ، حتى سلّمه الصحابة إلى التابعين وتابعى التابعين ، فقد ذكرت كتب السير عن عبد الله بن وداعة قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب فتفقدنى أياماً (2) ، فلما أتيته قال : أين كنت ؟ قلتُ : توفيت زوجتى فاشتغلت بها ، قال : هلا أخبرتنا فشهدناها ؟ قال : ثم أردت أن أقوم ، فقال : هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله تعالى ، ومن يزوجنى وما أملك إلا درهمين أو ثلاثاً ، فقال : أنا (3) ، فقلت : وتفعل ؟ ! قال : نعم ، فحمد الله تعالى وصلى على النبى وزوجنى على درهمين ـ أو قال : ثلاثة ـ قال : فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح ، فعدت إلى منزلى وجعلت أفكر ممن آخذ ، ممن أستدين ، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلى ، فأسرجت ، وكنتُ صائما ، فقدمت عشائى لأفطر ، وكان خبزاً وزيتاً ، وإذا بالباب يقرع ، فقلت : من هذا ؟ ، قال : سعيد ، قال : ففكرت فى كل إنسان اسمه سعيد ، إلا سعيد بن المسيب ، وذلك أنه لم يمر أربعين سنة إلا بين داره والمسجد ، فخرجت إليه ، فإذا به سعيد بن المسيب ، فظننت أنه بدا له ـ أى رجع عن رأيه ـ فقلت : يا أبا محمد : لو أرسلت إلى ! لأتيتك ، فقال : لا ، أنت أحق أن تؤتى ، فقلت : ماذا تأمر ؟ فقال ، إنك رجلاً عزباً فتزوجتَ ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك ، وإذا هى قائمة خلفه فى طوله ، فدفعها فى الباب ورده .
قال : ثم دخلت بها ، فإذا هى من أجمل النساء وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم لسنة رسول الله  ، وأعرفهم بحق الزوج .
ـ ولا حرج أيضاً فى عرض المرأة نفسها على من ترى فيه الزوج الصالح لها ،إذا أمنت الفتنة ، وكان الرجل صالحاً ورعاً ، كما كان من أم المؤمنين خديجة ـ رضى الله عنها ـ وعرضها نفسها على النبى  .
ـ وهنا ننبه إلى التأنى فى اختيار زوجة المستقبل ، فلاتستحب العجلة دون انتقاء زوجة المستقبل ، فما هى المعايير والاسس الموضوعة عند اختيار زوج وزوجة المستقبل .


ـ أسس اختيار الزوج :
ـ أما الأسس التى يجب على كل فتاة أن تضعها نصب عينيها عند قبول من يتقدم لخطبتها ، فأول هذه الشروط والأسس والمعايير : الدين ، فإن صاحب الدين إذا احب المرأة أكرمها ، وإذا كرهها لم يظلمها .
ـ قال تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة : 221) ، وقوله تعالى : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (النور : 26) ، وقال  : "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(1).
وقال النبى  لبنى بياضة : "أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ، وكان حجاماً" (2) . وعن ابن أبى حازم عن أبيه عن سهل قال : "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ ، قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ  هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" (1) .
فالدين أختاه هو "الترمومتر" الذى تستطيعين به الحكم على الرجال ، وليس ما يملك من مال أو شهادات ، ولكن إن انضم إلى الدين المال أو المؤهل فبها ونعمت ، ولا يُقدم أبداً على صاحب الدين صاحب أحدث صيحة فى قص الشعر ! أو أحدث صيحة فى عالم الملابس ! ومن يحفظ الأغانى ولا يعى صدره آية من كتاب الله تعالى ، أو حديثاً من أحاديث النبى ولا المتخنثين الذين عج بهم الطريق فلا تستطيع أن تفرق بين الفتى والفتاة من الملبس أو الشعر ! ولا صاحب الكلام المعسول ، "الدبور" الذى يتنقل بين الأزهار ليرتشف الرائحة من هذه وتلك ، ولا من يقف على باب مدرستك ينتظر خروجك لتتنزها معاً خلسة عن الأهل ، ولا من ذاق طعم "القبلة" منك قبل أن تحلى له ، ولا من يضع "الاسطوانة" فى حديثك معه تليفونياُ ، الحذر الحذر أختاه من تلك الذئاب الضارية ، واعلمى أنه لن يستقيم بيت نال فيه الشاب ما أراده من فتاته قبل البناء بها ، فهو بين شقى رحى : الشك فيها أن تكون مع غيره كما كانت له قبل البناء ، وبين إذلالها بتسليمها نفسها له قبل أن تحل له ، فكونى على حذر أختاه ، وعليك بصاحب الدين الذى يريد أن يأخذ بيدك إلى ربك وإلى جنته .
فإن كان من حملة كتاب الله تعالى فيُقدم على غيره ، وان كان من أهل الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة فبها ونعمت ، فالدين هو الأساس الذى عليه تُبنى الحياة الزوجية السعيدة .
ـ أن يكون مستطيعاً لتحمل نفقات الزواج لقوله : "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (1) .
وكم من شاب "أحب فتاة" ، والتقت الأفكار بعد العيون ، وتناغمت الأنفاس تعزف أجمل ألحان الحب الذى لم يشهد العالم مثله ، وكم التقت الأحلام ، فيرى الشاب الحلم ، فيقصه على فتاته ، فتكمله هى ! كم فكَّر فى مكالمتها هاتفياً فيجد الهاتف قد "رنَّ" وكانت هى ! كم من قصص "الحب" قد نمت وترعرعت فى خيال كثير من الفتيات ، ثم إذا جاء الحديث عن الزواج كان سراباً وذهبت الأحلام أدراج الرياح ، وتحطمت على صخرة الواقع ، وأخذت معها ما أخذت من قصص المذلة وذهاب العفة والأدب والحياء ، ثم لم تعد .
أما قوله  لفاطمة بنت قيس : "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ " (2) فهذا إذا تقدم للفتاة اثنين من أهل الدين والورع ، فيُقدم صاحب المال على الآخر ، ولا يُرفض صاحب الدين لقلة ماله .
ـ ويستحب فيه أيضاً : أن يكون رفيقاً بالنساء لقوله فى شأن أبى جهم : "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ " (3) قالوا : أى كثير الضرب للنساء .
ـ ويستحب فيه أن يكون جميل المنظر حسن الهيئة : حتى تُسر الفتاة عند رؤيته فلا تنفر منه .
ـ أن يكون شاباً : فيُقدم على الشيخ العجوز ليحصل التناسب العقلى والعاطفى ، ولا حرج فى زواج الشيخ الكبير ممن تصغره ، فرب شيخ عجوز أفضل من مائة شاب .
ـ أن يكون كفؤاً للفتاة : من حيث العمر ، والمستوى التعليمى ـ والدين أولاً ـ والعقلى ، والمادى ، والبدنى ، ونحو هذا .


ـ الكفاءة فى النكاح :
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات 13) ، وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ) (الحجرات : 10) وقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (التوبة : 71) ، وقال تعالى : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران : 195) .
وقال  : "أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" (1) ، وفى الترمذى عنه  : "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (2) ، وقال النبى لبنى بياضة : "أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه وكان حجاماً" (3) .
وزوج النبى  زينب بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه وزوج فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية من أسامة ابنه ، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبدالرحمن بن عوف ، وقد قال الله تعالى : (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطيِّبَاتِ ) (النور : 26) ، وقد قال تعالى : (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) (النساء : 3) .
فالذى يقتضيه حكمه  اعتبار الدين فى الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج مسلمة بكافر ولا عفيفة بفاجر ولم يعتبر القرآن والسنة فى الكفاءة أمراً وراء ذلك فإنه حرم على المسلمة نكاح الزانى الخبيث ولم يعتبر نسباً ولا صناعة ولا غنى ولا حرية فجوز للعبد الفقير نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً ، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات ، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات وللفقراء نكاح الموسرات .
وقد تنازع الفقهاء فى أوصاف الكفاءة فقال مالك فى ظاهر مذهبه إنها الدين وفى رواية عنه إنها ثلاثة الدين والحرية والسلامة من العيوب .
وقال أبو حنيفة : هى النسب والدين ، وقال أحمد فى رواية عنه : هى الدين والنسب خاصة وفى رواية أخرى هى خمسة الدين والنسب والحرية والصناعة والمال ، وإذا اعتبر فيها النسب فعنه فيه روايتان إحداهما : أن العرب بعضهم لبعض أكفاء ، الثانية : أن قريشاً لا يكافئهم إلا قرشى وبنو هاشم لا يكافئهم إلا هاشمى ، وقال أصحاب الشافعى يعتبر فيها الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة .
ولهم فى اليسار ثلاثة أوجه اعتباره فيها وإلغاؤه واعتباره فى أهل المدن دون أهل البوادى فالعجمى ليس عندهم كفئاً للعربى ولا غير القرشى للقرشية ولا غير الهاشمى للهاشمية ولا غير المنتسبة إلى العلماء والصلحاء المشهورين كفئاً لمن ليس منتسباً إليهما ، ولا العبد كفئاً للحرة ولا العتيق كفئاً لحرة الأصل ولا من مس الرق أحد آبائه كفئاً لمن لم يمسها رق ولا أحداً من آبائها ، وفى تأثير رق الأمهات وجهان ، ولا من به عيب مثبت للفسخ كفئاً للسليمة منه فإن لم يثبت الفسخ وكان منفراً كالعمى والقطع وتشويه الخلقة فوجهان ، واختار الرويانى أن صاحبه ليس بكفء ولا الحجام والحائك والحارس كفئاً لبنت التاجر والخياط ونحوهما ولا المحترف لبنت العالم ولا الفاسق كفئاً للعفيفة ولا المبتدع للسنية ولكن الكفاءة عند الجمهور هى حق للمرأة والأولياء .
ثم اختلفوا فقال أصحاب الشافعى : هى لمن له ولاية فى الحال ، وقال أحمد فى رواية : حق لجميع الأولياء قريبهم وبعيدهم فمن لم يرض منهم فله الفسخ ، وقال أحمد فى رواية ثالثة : إنها حق الله فلا يصح رضاهم بإسقاطه ، ولكن على هذه الرواية لا تعتبر الحرية ولا اليسار ولا الصناعة ولا النسب إنما يعتبر الدين فقط فإنه لم يقل أحمد ولا أحد من العلماء إن نكاح الفقير للموسرة باطل وإن رضيت ولا يقول هو ولا أحد إن نكاح الهاشمية لغير الهاشمى والقرشية لغير القرشى باطل وإنما نبهنا على هذا لأن كثيرا من أصحابنا يحكون الخلاف فى الكفاءة هل هى حق لله أو للآدمى ويطلقون مع قولهم إن الكفاءة هى الخصال المذكورة وفى هذا من التساهل وعدم التحقيق ما فيه" (1) .
ـ فإذا أراد الرجل أن يخطب فتاة فله أن يرسل أمه أو بعض أهله ـ كأخته مثلاً ـ ليريا من الفتاة ما يدعوه إلى خطبتها ، من خلق حسن وبيت طيب وحسن معاملة .
لاخير فى حسن الفتاة وعلمها إن كان فى غير الصلاح رضاؤها
فجمـالها وقـف عليها إنمـا للناس منـها دينـها ووفــاؤهـا
وإن تزوجـتَ فكـن حـاذقـاً واسـأل عـن الغصن وعـن منبته
واسأل عـن الصهـر وأحوالـه مـن جيـرة الحـى وذى قربتـه
ـ صلاة الاستخارة :فإذا وجد الرجل الفتاة التى يرى فيها أنها تصلح لتكون شريكة حياته ، وتقدم للفتاة الرجل يخطبها ، استخار الله تعالى فى هذا الأمر العظيم ، فيصلى كل منهما صلاة الاستخارة .
يقول جابر  : "كان النبى  يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها كالسورة من القرآن ، وصفتها : يقول  : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - ويسمى الأمر - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ" (1) .
ـ ويصلى العبد صلاة الاستخارة فى أى وقت شاء ، ركعتين ، ثم بعد التسليم يدعو بهذا الدعاء ، وله أن يكررها ولا حرج فى هذا (2) ، فصلاة الاستخارة دعاء ، ولا حرج فى تكرار الدعاء ، ولا يلزم بعد الاستخارة أن يرى العبد رؤيا ، بل سيرى إما التيسير أو عدمه ، أو الراحة النفسية للأمر والإقدام عليه أو عدمه.
وتصلى الفتاة صلاة الاستخارة ، فهى تستخير رب العالمين فى شأن من تقدم لِخطبتها ، إذا رأت فيه ما يدعوها إلى قبوله ، لا أن تصلى الفتاة صلاة الاستخارة عندما يتقدم إليها السكير مثلاً أو تارك الصلاة المفرط فى أمر دينه ، فإنها ترفض من البداية أن تربط حياتها بمن يستهين بحقوق ربه عليه ، فكيف له أن يحافظ على حقوقها أو يعطيها إياها .
ـ هذا ولا يجوز لمن عرف تقدم شاب إلى فتاة ليخطبها أن يتقدم لِخطبتها هو أيضاً : فقد نهى أن "يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ" (1) .
ـ كما لا يجوز خِطبة من توفى عنها زوجها حتى تنتهى عدتها ، ولكن يجوز للخاطب التعريض بالخطبة لها ، قال تعالى : (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة : 235) أو للمطلقة المبتوتة ـ وهى التى طُلقت ثلاث مرات ـ لحديث الإمام مسلم أن النبى قال لفاطمة بنت قيس وكانت قد طُلقت ثلاث مرات : "اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي" (2) .
يقول الإمام النووى رحمه الله تعالى : وفيه جواز التعريض بخِطبة البائن وهو الصحيح عندنا .
ـ والتعريض بالخِطبة : كأن يقول الرجل للمرأة وهى فى عدتها من وفاة زوجها : إنك على لكريمة ، وإنى فيك لراغب ، وان الله لسائق إليك خيراً ورزقاً ، أو يقول : إنى أريد التزوج ولوددت أنه يُسر لى امرأة صالحة ، ونحو هذا .


ـ إباحة النظر إلى وجه المخطوبة والفتاة إلى مخطوبها :
فإذا تقدم لخطبتها فله أن يرى منها الوجه والكفين : روى المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له رسول الله : "أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"(1) .
وعن جابر  أن رسول الله  قال : "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ، قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ(2) لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا" (3) .
ـ وعن سهل بن سعد الساعدى ـ رضى الله عنها ـ أن امرأة جاءت إلى رسول الله  فقالت : "يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ  فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ  رَأْسَهُ " (4) .
وعن أبى هريرة  قال : "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ  فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا" (5).
ـ وقد ذهب جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً إلى جواز نظر الرجل إلى من يريد خِطبتها ، إلا أنه وقع الخلاف بينهم فيما يُنظر إلى المرأة ، فذهب الجمهور إلى جواز النظر رؤية الوجه والكفين ، وعن الإمام أحمد ثلاث روايات : النظر إلى الوجه والكفين ، النظر إلى ما يظهر منها غالبا كالرقبة والساقين ، النظر إليها كلها ، وذهب ابن حزم إلى النظر إلى جميع بدنها .
ـ فإذا تمت الموافقة بين الأهل ، فله أن يصلى صلاة الاستخارة مرة أخرى إن شاء ، ويترك الفتاة لتستخير ربها فيمن تقدم لخطبتها .
ـ موافقة البكر والثيب على الزواج : وتستأذن البكر على من تقدم لخِطبتها : وإذنها صماتها ، أما الثيب فإنها تستأمر ، لقوله  :"لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ " (1) ، وفى صحيح مسلم : "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا قَالَ نَعَمْ" (2) .
وثبت عنه فى الصحيحين: "أن خنساء بنت حذام زوجها أبوها وهى كارهة وكانت ثيباً فأتت رسول الله  فرد نكاحها" (3) .
وفى السنن من حديث ابن عباس : "أن جارية بكراً أتت النبى فذكرت له أن أباها زوجها وهى كارهة فخيرها النبى " (4) .
وهذه غير خنساء فهما قضيتان قضى فى إحداهما بتخيير الثيب وقضى فى الأخرى بتخيير البكر .
وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبى حنيفة وأحمد فى إحدى الروايات عنه وهو القول الذى ندين الله به ولا نعتقد سواه وهو الموافق لحكم رسول الله وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته .
أما موافقته لحكمه فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة وليس رواية هذا الحديث مرسلة بعلة فيه فإنه قد روى مسنداً ومرسلاً (1) فإن قلنا قول الفقهاء إن الإتصال زيادة ومن وصله مقدم على من أرسله فظاهر وهذا تصرفهم فى غالب الأحاديث ، فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله وإن حكمنا بالإرسال كقول كثير من المحدثين فهذا مرسل قوى قد عضدته الآثار الصحيحة الصريحة والقياس وقواعد الشرع كما سنذكره فيتعين القول به .
وأما موافقة هذا القول لأمره فإنه قال : "والبكر تستأذن" وهذا أمر مؤكد لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقق المخبر به وثبوته ولزومه والأصل فى أوامره أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماع على خلافه .
وأما موافقته لنهيه فلقوله : "وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" فأمر ونهى وحكم بالتخيير وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق .
وأما موافقته لقواعد شرعه : فإن البكر البالغة العاقلة الرشيدة لا يتصرف أبوها فى أقل شئ من مالها إلا برضاها ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها فكيف يجوز أن يرقها ويخرج بضعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو وهى من أكره الناس فيه وهو من أبغض شئ إليها ومع هذا فينكحها إياه قهراً" بغير رضاها إلى من يريده ويجعلها أسيرة عنده كما قال النبى  : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" (1) أى أسرى ومعلوم أن إخراج مالها كله بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره بغير رضاها ولقد أبطل من قال إنها إذا عينت كفئا تحبه وعين أبوها كفئاً فالعبرة بتعيينه ولو كان بغيضاً إليها قبيح الخلقة .
وأما موافقته لمصالح الأمة : فلا يخفى مصلحة البنت فى تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول مقاصد النكاح لها به وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه فلو لم تأت السنة الصريحة بهذا القول لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضى غيره وبالله التوفيق .
فإن قيل فقد حكم رسول الله  بالفرق بين البكر والثيب وقال : ""لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" (2) وقال : "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها" (3) فجعل الأيم أحق بنفسها من وليها فعلم أن ولى البكر أحق بها من نفسها وإلا لم يكن لتخصيص الايم بذلك معنى ، وأيضاً فإنه فرق بينهما فى صفة الإذن فجعل إذن الثيب النطق وإذن البكر الصمت وهذا كله يدل على عدم اعتبار رضاها وأنها لا حق لها مع أبيها .
فالجواب : أنه ليس فى ذلك ما يدل على جواز تزويجها بغير رضاها مع بلوغها وعقلها ورشدها وأن يزوجها بأبغض الخلق إليها إذا كان كفئاً والأحاديث التى احتججتم بها صريحة فى إبطال هذا القول وليس معكم أقوى من قوله : "الأيم أحق بنفسها من وليها" هذا إنما يدل بطريق المفهوم ومنازعوكم ينازعونكم فى كونه حجة ولو سلم أنه حجة فلا يجوز تقديمه على المنطوق الصريح ، وهذا أيضاً إنما يدل إذا قلت إن للمفهوم عموماً والصواب أنه لا عموم له إذ دلالته ترجع إلى أن التخصيص بالمذكور لا بد له من فائدة وهى نفى الحكم عما عداه ومعلوم أن انقسام ما عداه إلى ثابت الحكم ومنتفيه فائدة وأن إثبات حكم آخر للمسكوت عنه فائدة وإن لم يكن ضد حكم المنطوق وأن تفصيله فائدة كيف وهذا مفهوم مخالف للقياس الصريح بل قياس الأولى كما تقدم ويخالف النصوص المذكورة .
وتأمل قوله  : "والبكر يستأذنها أبوها" عقيب قوله : "الأيم أحق بنفسها من وليها" قطعاً لتوهم هذا القول وأن البكر تزوج بغير رضاها ولا إذنها فلا حق لها فى نفسها البتة فوصل إحدى الجملتين بالأخرى دفعا لهذا التوهم ومن المعلوم أنه لا يلزم من كون الثيب أحق بنفسها من وليها أن لا يكون للبكر فى نفسها حق ألبتة .
وقد اختلف الفقهاء فى مناط الإجبار على ستة أقوال :
ـ أحدها : أنه يجبر بالبكارة وهو قول الشافعى ومالك وأحمد فى رواية .
ـ الثانى : أنه يجبر بالصغر وهو قول أبى حنيفة وأحمد فى الرواية الثانية .
ـ الثالث : أنه يجبر بهما معاً وهو الرواية الثالثة عن أحمد .
ـ الرابع : أنه يجبر بأيهما وجد وهو الرواية الرابعة عنه .
ـ الخامس : أنه يجبر بالإيلاد فتجبر الثيب البالغ حكاه القاضى إسماعيل عن الحسن البصرى قال وهو خلاف الإجماع قال وله وجه حسن من الفقه فيا ليت شعرى ما هذا الوجه الأسود المظلم .
ـ السادس : أنه يجبر من يكون فى عياله ولا يخفى عليك الراجح من هذه المذاهب .
ـ وقضى  بأن إذن البكر الصمات وإذن الثيب الكلام فإن نطقت البكر بالإذن بالكلام فهو آكد وقال ابن حزم لا يصح أن تزوج إلا بالصمات وهذا هو اللائق بظاهريته .
وقضى رسول الله  أن اليتيمة تستأمر فى نفسها و "لا يتم بعد احتلام" فدل ذلك على جواز نكاح اليتيمة قبل البلوغ وهذا مذهب عائشة ـ رضى الله عنها ـ وعليه يدل القرآن والسنة ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وغيرهما ، قال تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فى النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فى الْكِتَابِ فى يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى) (النساء 127) ، قالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ : هى اليتيمة تكون فى حجر وليها فيرغب فى نكاحها ولا يسقط لها سنة صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن سنة صداقهن (1) .
وفى السنن الأربعة عنه  : "الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ صَمَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا" (2) .
ـ فإذا كان الرضى من المخطوبة ، بدأ الأهل فى الحديث عن نفقات الزواج ومستلزماته ، من إعداد بيت الزوجية وتجهيزه ، والمهر ونحو هذا ، وهنا يجب التنبيه على قضية المهر أو الصداق .


ـ الصداق : خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ (3) :
قال تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء : 4) ، وقال تعالى : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء : 26) ، وقال تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) (النساء : 24) ، وقوله تعالى : (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الممتحنة : 10) .
ـ بيان قضائه  فى الصداق بما قل وكثر وقضائه بصحة النكاح على ما مع الزوج من القرآن :
ـ ثبت فى صحيح مسلم عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ : "كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا ، قَالَتْ : أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ  لِأَزْوَاجِهِ" (1) .
وفى صحيح البخارى كما تقدم أن النبى قال لرجل : "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" (2) ، وفيه :" قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا فَقَالَ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ" ، وفى النسائى : عن ثابت عن أنس قَالَ : "خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا قَالَ ثَابِتٌ فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ " (3) . فتضمنت هذه الأحاديث وغيرها أن الصداق لا يتقدر أقله ، وأن خاتم الحديد يصح تسميته مهراً .
وتضمنت أن المغالاة فى المهور مكروهة ، وأن أفضل النكاح أيسره مؤنة .


ـ النهى عن المغالاة فى المهور :فاعلم أيها الولى أن من أهم أسباب انتشار العنوسة (1) وانصراف الشباب عن الزواج هو ما يجدونه من تعنت بعض الأباء والمغالاة فى المهور : وهذا العائق حُق له أن يوضع على رأس قائمة المعوقات التى تقف أمام شباب المسلمين وتردهم القهقرى كلما فكر أحدهم أن يخطو خطوته الأولى نحو الزواج وبناء الأسرة الإسلامية ، فتجد الشاب يُسئل أول ما يُسئل عما ادخره وما أعده توطئة لتكاليف ومؤنة الزواج ، من مهر و "شبكة" ـ تليق بعروسه وأهلها ـ ثم يتبع هذا "فستان" الخطوبة للعروس ـ وربما لبعض أخواتها ـ ! ثم أين يقام "حفل" الخطوبة ، وما يستلزم هذا من تكاليف للعروسين ، ثم هدايا العروس فى المناسبات الدينية و "القومية" ! و"الوطنية" وعيد الأم وعيد الأب وعيد الأسرة ! وعيد المُعلّم وعيد الفلاح وعيد الثورة وعيد تولية الملك وعيد سقوطه ! وعيد ميلاد العروس وعيد ميلاد أم العروس وأخت العروس وبنت خالة العروس وكل من يمت بصلة إلى العروس !!! .
ثم يجلس إلى أهل العروس لسماع "الفرمان الحموى" وما صدر عن "المؤتمر" العائلى لكيفية إذلال هذا المتقدم لخطبة هذا الذى تجرأ وفكر أن يخطب وأن يتزوج ليقيم البيت الإسلامة إتباعاً لكتاب الله تعالى ولسنة نبينا محمد ! ويسمع هذا الخاطب ما أسفر عنه الاجتماع العائلى من توفير مسكن الزوجية ـ دون مغالاة ـ حجرتين وصالة ـ هذا مع انضمام "لجنة الرأفة" إلى جانب الخاطب ـ وفرش وتجهيز حجرة النوم بالمواصفات التى أمليت على آخر خاطب تقدم لخطبة فتاة فى العائلة (1) ، والذى قد أحضر لعروسه حجرة نوم كذا وصالون وصفه كذا و"أنتريه" كذا ، وكان "حفل الزفاف" ـ الفرح ـ فى المكان كذا ، فابنتنا ليست أقلّ من فلانة وعلانة بل هى تفوقهم جمالاً وزينة ..
نــداء : رحمة أيها الأباء والأمهات بأبناء المسلمين ، أين أنتم من سنة نبيكم محمد ، وأين هى تلك الابنة من أمّ المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ ، بل أين هى من صاحبيات النبى  ؟ أين نحن جميعاً من هديه .
ـ وهنا نقول : هل الصداق من حق المرأة أو من حق وليها ؟
ـ والجواب : إن الصداق حق خالص للمرأة ، قال تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) (النساء : 20) ، يقول الإمام ابن حزم فى المحلى (2) : "ولا يحل لأب البكر صغيرة كانت أو كبيرة أو الثيب ولا لغيره من سائر القرابة أو غيرهم حكم فى شئ من صداق الإبنة أو القريبة ، ولا لأحد ممن ذكرنا أن يهبه ولا شيئاً منه لا للزوج طلق أو أمسك ولا لغيره ، فإن فعلوا شيئاً من ذلك فهو مفسوخ باطل مردود أبداً ، ولها أن تهب صداقها أو بعضه لمن شاءت ولا اعتراض لأب ولا لزوج فى ذلك" أهـ .
والصداق يُعد ديناً على الرجل لزوجته عليه الوفاء به ، فله أن يعجل بقضاءه .
ـ ويجوز للرجل أن ينكح المرأة ولا يسمى لها صداق لقوله تعالى : (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ) (البقرة:236) .


ـ دبلة الخطوبة ! :ومن الأمور التى انتشرت فى بلاد الإسلام ما يلبسه الخاطب أو الزوج ويُسمى بـ (دبلة الخطوبة) وهى عادة نصرانية ، كان العروس ـ الزوج ـ يضع خاتم الزواج على رأس إبهام العروس اليسرى ـ الزوجة ـ ويقول باسم الآب ، ثم على رأس السبابة ويقول : باسم الابن ، ثم على رأس الوسطى ويقول : باسم الروح القدس ، ثم يستقر به فى الإصبع البنصر وينتقل من اليد اليمنى وقت الخطبة إلى اليد اليسرى بعد الزواج (ليكون قريبا من القلب !!!) .
وعادة ما يكون هذا الخاتم ـ أو الدبلة ـ من الذهب ، وقد صح النهى من النبى عن التختم بالذهب (1) للرجال ، فروى مسلم في صحيحه عن عبد اللخ بن عباس رضى الله عنهما قال أن رسول الله  :" رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ : يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ  خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ  "(2) .
ـ وقال  : "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ حَرِيرًا وَلَا ذَهَبًا" (3) .
ـ وقد عمد بعض الرجال إلى استبدال لبس "دبلة" من ورِق ـ فضة ـ بدلاً من الذهب حتى لا يقع تحت النهى ، فوقع فى التشبه .
ـ وإنما صح عنه  اتخاذ الخاتم من ورِق ـ أى فضة ـ فقد :"رَأَى  عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَلْقَاهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ هَذَا شَرٌّ هَذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَاهُ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ عَنْهُ" (1) .
ـ حِل خاتم الذهب ونحوه على النساء : وقد ذهب العلامة الألبانى ـ رحمه الله تعالى ـ إلى تحريم خاتم الذهب ونحوه كالسوار والطوق على النساء (2) .
والعلامة الألبانى ـ رحمه الله تعالى ـ كان أحد المجددين وندعوا الله أن يجزينه عنا وعن الأمة الإسلامية كل خير لما قدم لهذه الأمة ، إلا أنه رحمه الله تعالى قد جانبه الصواب فى هذا المسألة مع محاولته التحرى والبحث والاستقصاء ، وقد ذهب العلماء سلفاً وخلفاً إلى حِل الذهب المحلق للمرأة دون خلاف ، واستقصاء هذه المسألة له موضع آخر ، واكتفى هنا ببعض أقوال أهل العلم ممن ذهب إلى حِل الذهب دون تفصيل للمرأة .
يقول الإمام النووى فى شرح مسلم : "أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء" ، وقال فى المجموع (3) : "يجوز للنساء لبس الحرير والتحلى بالفضة والذهب بالإجماع للأحاديث الصحيحة" ، وقال أيضاً : "أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلى من الفضة والذهب جميعاً كالنوق والعِقد والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد والمخانق وكل ما يُتخذ فى العنق وغيره ، وكل ما يعتدن لبسه ، ولا خلاف فى شئ من هذا" (4).
وقال الحافظ فى الفتح (1) فى ثنايا تفسير نهى النبى عن خاتم الذهب : "نهى النبى  عن خاتم الذهب أو التختم به مختص بالرجال دون النساء ، فقد نُقل الإجماع على إباحته للنساء" ، وقال مثله الإمام المباركفورى فى التحفة (2) .
ويقول الإمام ابن عبد البر فى التمهيد (3) : "النهى عن لباس الحرير وتختم الذهب إنما قصد به إلى الرجال دون النساء وقد أوضحنا هذا المعنى فيما تقدم من حديث نافع ولا نعلم خلافاً بين علماء الأمصار فى جواز تختم الذهب للنساء وفى ذلك ما يدل على أن الخبر المروى من حديث ثوبان ومن حديث أخت حذيفة عن النبى فى نهى النساء عن التختم بالذهب إما أن يكون منسوخاً بالإجماع وبأخبار العدول فى ذلك على ما قدمنا ذكره فى حديث نافع أو يكون غير ثابت ، فأما حديث ثوبان فإنه يرويه يحيى بن أبى كثير قال : حدثنا أبو سلام عن أبى أسماء الرحبى عن ثوبان ولم يسمعه يحيى بن أبى سلام ولا يصح ، وأما حديث أخت حذيفة فيرويه منصور عن ربعى بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة قالت : "قام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر النساء أما لكن فى الفضة ما تحلينه أما إنكن ليس منكن امرأة تحلي ذهابا تظهره إلا عذبت به" ، والعلماء على دفع هذا الخبر لأن امرأة ربعى مجهولة لا تعرف بعدالة وقد تأوله بعض من يرى الزكاة فى الحلى من أجل منع الزكاة منه إن منعت ولو كان ذلك لذكر وهو تأويل بعيد .
وقد روى محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أن النجاشى أهدى إلى النبى حلية فيها خاتم من ذهب فصه حبشى فأخذه رسول الله  بعود أو ببعض أصابعه وإنه لمعرض عنه فدعا ابنة ابنته أمامة بنت أبى العاص ، فقال : تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ " (1) ، وعلى هذا القياس للنساء خاصة والله الموفق للصواب .
ويقول الإمام الجصاص فى تفسيره (2) : "الأخبار الواردة فى إباحته للنساء ـ يعنى الذهب ـ عن النبى والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحظر ، ودلالة الآية ـ قوله تعالى : (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ـ أيضاً ظاهرة فى إباحته للنساء ، وقد استفاض لبس الحلى للنساء منذ قرن النبى إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن ، ومثل ذلك لا يُعترض عليه بأخبار الآحاد" .
وقال مثله الإمام الكيا الهراسى عند تفسيره للآية السابقة .
ـ وأورد الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول : عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : "أهدى النجاشى إلى رسول الله حلية فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشى فأخذه رسول الله  بعود أو ببعض أصابعه وإنه لمعرض عنه ثم دعا ابنة ابنته أمامة ابنة أبى العاص فقال : تحلى بهذا يا بنية" (3) .
قال : جعل  الحلية زينة لجوارح الإنسان فإذا لبسها زانه لذلك وإذا زانه حلاه فصار ذلك العضو أحلى فى أعين الناظرين ولذا سمى حلية لأنه تحلى تلك الجوارح فى أعين الناظرين وفى قلوبهم قال الله تعالى وتستخرجون منه حلية تلبسونها وهى اللؤلؤ فما كان من ذهب فللإناث ويحرم على الذكور و ما كان من فضة أو جوهر فمطلق للرجال والنساء و قد لبس  خاتماً اتخذه من فضة وفصه منه" (1) .
قلت : وفى الحديث السابق دليل قوى لإباحة خاتم الذهب للنساء ، فتأمل (2) .
ـ ما يباح للخاطب بعد الخطبة : ويباح للخاطب بعد الخطبة الكلام مع خطيبته فى شئون الدين ونحو هذا حتى يستطيع أن يتلمس بعض جوانب "شخصية" زوجة المستقبل ، فيستمع إلى آرائها ومنهجها فى الحياة والقواعد والمبادئ التى تسير عليها ، وتصحيح ما يراه يحتاج تصحيحاً وفق كتاب الله وسنة رسوله على أن يكون هذا فى وجود محرم لها ، ويباح له النظر إلى وجهها ـ هذا على اختلاف أهل العلم فى وجوب النقاب ولا يجوز له أن يمسك بيدها أو أن يلمس جسدها ، أو التأمل فى مفاتنها ، فهى لازالت أجنبية عليه ، فليس له منها ما ليس له من الأجنبية ، كما ليس له الخلوة بها إلا فى وجود المحرم .
وعليه أن يتحلى بالصبر والتؤدة فى التعرف عليها وبناء الرأى الصائب فى زوجة المستقبل ، وكلما قلل الخاطب من زيارة الخطيبة كان له أفضل .
ـ أما الخروج معاً والتنزه وغير ذلك مما يفعله ـ كثير ـ من الناس فلا يجوز ، ولم يكن على عهد رسول الله  أن يَخطب الرجل المرأة فيخرج معها للحديث والتنزه والخلوة بها ـ من اجل التعارف والتآلف والتفاهم ووو ـ إلى غير ذلك مما أصبح سنة معروفة لدى الناس ، وأصبحت السنة هى البدعة عندهم ، فما لم يكن ديناً على عهد رسول الله  لا يكون اليوم ديناً .
ـ ويظن البعض أنه إذا تم "عقد النكاح" فله من زوجته كل شئ ، وإنى لأحذر كل فتاة من التمادى فى مثل هذا الأمر ، فكم من زيجة لم يقدر لها الله تعالى أن تكتمل ، وإن تم عقد النكاح .
ـ النفقة على الزوجة :
قال بعض أهل العلم إنه ليس على الذى عقد ولم يبنِ نفقة لزوجته حتى تنتقل من بيت أبيها إلى بيته ، إنما النفقة على أبيها وهو لم يزل الراعى ، لقوله :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (1) ، وهى لم تزل فى بيتها أبيها فهو المسئول عن نفقتها لا زوجها الذى لم يبنِ بها بعد ، كما أنها لم تزل فى كنف أبيها فله عليها ما كان قبل العقد .
ـ ليلة الحِنة : ومن الأمور المبتدعة عند الكثير ما يسمى بـ"ليلة الحنة" وفيها ما فيها من المخالفات الشرعية كالاطلاع على عورة الفتاة ، وكشفها أمام الأجنبيات ، بدعوى تهيئتها للزوج ، والرقص والغناء ونحو هذا .
ـ العروس ليلة الزفاف : أما الرجل فيكون فى أجمل صورة ليلة زفافه من حسن المنظر والهيئة والملبس والنظافة الجسدية ، كحلق العانة ونتف الإبط ، وليحذر حلق اللحية خشية التشبه بأهل الكفر وقد :"لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ  الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ" (2) ، فلا يبدأ حياته الزوجة باللعن وهو الطرد من رحمة الله تعالى والعياذ بالله ، والباطنية والظاهرية .
ـ أما العروس ـ الزوجة ـ : فتكون فى أبهى صورها من حسن الزينة والملبس والنظافة الجسدية والباطنية والظاهرية ، ولتكن على حذر من أمور عدة منها : الكوافير ، نتف الحواجب ، المناكير ، لباس الشهرة .
ـ حكم الذهاب إلى الكوافير :اعلمى أختى المسلمة إن أعداء الإسلام يكيدون للامة الإسلامية بكل طريقة وسبيل ، ولا يتركون سلاحاً إلا واستخدموه ، ومن أهم أسلحتهم "الفتاة المسلمة" فكادوا لها بالأزياء تارة ، وبالعمل تارة أخرى ، وبالرياضة أخرى ، إلى غير ذلك ، من أوجه محاربة الكفار للإسلام ، ومن أوجه المحاربة ما انتشر فى بلاد الإسلام بما يسمى "الكوافير" تذهب إليه النساء لوضع المساحيق وإزالة شعر الحاجبين بل وإزالة الشعور الداخلية ، وما يستتبع هذا "الكوافير" من مراكز "التجميل" من شد الوجه وتصغير وتكبير الثديين !! وإزالة ترهلات الأرداف !! إلى غير ذلك مما نسمعه ونقراءه ، وقد نهى تعالى عن التشبه بأهل الكفر فقال تعالى : (وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) ، وفى الترمذى عنه :"لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى" وفى مسند الإمام أحمد قال  : "وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " ، فالذهاب إلى الكوافير ووضع المساحيق ونتف شعر الحواجب ، وإزالة الشعور الداخلية حول قبل المرأة ، فيُطلع عليها دون حاجة ، مع الوقوع فى النهى أن تباشر المرأة عورة المرأة دون حاجة ، وليس بالطبع هذه ضرورة تدعو لكشف عورة المرأة ، وكل هذا هو من باب التشبه بأهل الكفر ، ومن تشبه بهم حُشر معهم ـ والعياذ بالله تعالى ـ فلا أدرى أيها "الرجل" كيف لك أن تأخذ "زوجتك" إلى من يدغدغ بأصابعه خصلات شعرها ، ويتأمل فى وجهها ليضع لها المسحوق المناسب الذى يتناسب وبشرتها ؟! ، وكيف لك أن تتركها "قطعة من اللحم" تنهشها عيون الآخرين وتتأمل فى مفاتنها ، أم تراك ستحجب أعين الناس عن النظر إلى زوجتك ومفاتنها ! .
ـ نتف الحواجب : وقد ورد النهى عن هذا بقوله : "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ(1) وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ(2) وَالْمُتَنَمِّصَاتِ(3) وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ(4) الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى(5)" .
ـ المناكير :
وهو تدميم الأظفار بالألوان ، وهو أيضاً من باب التشبه بالكافرين ، كما انه يمنع من صحة الوضوء لعدم وصول الماء إلى إصل الأصابع والأظفار ، فلن تستطيع المرأة به أن تصلى خلف زوجها عند دخول بيت الزوجية ، أو تصلى قبل هذا المغرب مثلاً أو العشاء ، أو صلاة الفجر ، فلتكن على حذر .
ـ إطالة الأظفار : وهو أيضاً من باب التشبه بالكافرين ، وقد ورد عن النبى المعصوم  : "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ(6) وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ" (7) .
ـ ولا يكون لباس العروس ـ المرأة ـ لباس شهرة ولا يكون مشابهاً للباس أهل الكفر ، بل يجب أن يكون ساتراً لكل الجسد ، وان يكون صفيقاً لا يشف ، وأن لا يصف شيئاً من مفاتنها ، ولا مطيباً ، ولا يكون لباس زينة ، أو شهرة ، ولا يشبه لباس أهل الكفر أو لباس الرجال .
ـ هذا ولا حرج فى استعارة العروس فستان الزفاف للتزين به ليلة عرسها ، فقد روى البخارى من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال : "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا وَعَلَيْهَا دِرْعُ(1) قِطْرٍ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَتِ ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهَا تُزْهَى(2) أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ  فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ(3) بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ"(4) .
ـ وتبقي كلمة : وهى : هل يجوز للمرأة استعمال "المكياج" والتجمل لزوجها ؟ ـ والجواب : نعم يجوز لها هذا فى الحدود الشرعية ، وهذا من دواعى محبة الزوج لها ، فعلى المرأة أن تكون فى أبهى صورة أمام زوجها وفى عينه ، وليس لها أن يظهر هذا منها لغير زوجها .
ـ ولكن : إذا كان كما يقال أن هذا "المكياج" أو بعضه يضر ببشرة المرأة فهو فى هذا الحالة يكون أما محرماً أو مكروهاً ، والأولى سؤال الطبيبة المسلمة لبيان صحة هذا القول من عدمه .
ـ ولكن لا يجوز للمرأة أن تلبس "الباروكة" من باب التجمل لزوجها ، بل هذا منهى عنه ، ولكن لا بأس إن كان الوصل من غير الشعر كالحرير والصوف الملون ونحوه .


ـ الغناء فى العرس :ـ ولا حرج فى سماع الغناء لإعلان النكاح إذا لم يكن فيه محرماً ولم يصاحبه الطبل والزمر والكمان وغير هذا من آلات اللهو ، ولا حرج فى الضرب بالدف لقوله  : "إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْبَ بِالدُّفِّ" (1) ، فأباح "الدف" ليكون سبباً فى إعلان النكاح وبيان حله وانه غير سفاح ، أما الطبل والكمان والعود وغير هذا من آلات اللهو فمنهى عنها ، بل هى حرام لقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (لقمان :6) قال عبد بن مسعود  : هو الغناء ، وذكر بعض أهل العلم أن الغناء بآلة محرم إجماعاً .
وعليه فالواجب الحذر من أن يبدأ العروسان حياتهما الزوجية بمعصية الله تعالى ، كما يفعل البعض بإقامة "حفل الزفاف" فى بعض النوادى والقاعات ، وجلوس العروسان فى "الكوشة" للناس ، وعرض الرجل زوجته على الجميع يتأملونها ومفاتنها وقد بدت فى أجمل صورها ، وإحضار بعض "الفنانين" (2) لإحياء الحفل ، وإنما هى إماتة ومحاولة طمس السنة النبوية فى الزفاف ، وتقليد غريب لإخوان القردة والخنازير فى حفلات زفافهم ، ومن هم على شاكلتهم ممن يدعى الإسلام ـ علم هذا من علمه وجهله من جهله ـ فالواجب البعد عن هذا لما فيه من اختلاط الرجال والنساء ، وإرتداء النساء كل ما يكشف مفاتنهن ، والرقص الجماعى للرجال مع النساء ، والتصوير ، وقد صحت الأحاديث الكثيرة أن "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ" (3) إلى غير ذلك مما يعرفه الناس (4) .
ـ رش الملح : ورش الملح مرة أو سبع لدفع عين الحاسد ! هو نوع تبذير وإسراف وسفه .
ـ وعليه فليكن العروس على حذر من يبدأ حياته بمعصية الله تعالى وأن يتحمل أوزار كل من يغنى ويرقص ويتمايل على أكتافه وفى ميزان سيئاته !!! .
ـ الزغاريد يوم الفرح : قال رسول الله : "نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ" (1) .
ـ وليبدأ حياته الزوجية فى بيت من بيوت الله تعالى وعلى سنة النبى ، وليكن سبباً فى إحياء السنن لا إماتتها ، ونشر الخير لا الفجور والعرى .
وعلى من دُعى إلى حضور عقد النكاح أن يلبى دعوة أخيه لمشاركته فرحته والدعاء له ، على أن يحذر أن يكون مكان حضوره مكان لهو واختلاط وفسق وعرى وتصوير كما يجرى لدى كثير من الناس ، ودعوتهم أهل الباطل من الفنانين وأصحاب الخلاعة والمياعة والمنتسبين إلى الإسلام زوراً وبهتاناً ، حتى لا يدخل تحت قوله : "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" (2) .
ـ ويُستحب أن يكون العقد فى بيت من بيوت الله تعالى تحفه الملائكة ويحضره أهل الصلاة والصلاح .
ـ وهنا يُقال : ما هى ألفاظ التزويج ؟
ـ وأقول : ان النكاح ينعقد بلفظ النكاح ، كأن يقول الولى للرجل : أنكحتك أو زوجتك ، كما قال تعالى : (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) (النساء : 3) ، وقوله تعالى : (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ) (النور : 32) ، وقول شعيب لموسي : (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) (القصص : 27) ، أما لفظ الزواج فقد ورد فى قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب : 37) .
ـ قال ابن قدامة فى المغنى (1) : وإذا قال الخاطب للولى : أزوجتَ ؟ فقال : نعم ، وقال للزوج : أقبلتَ ؟ قال : نعم فقد انعقد النكاح إذا حضره الشاهدان .
وقال الشافعى : لا تنعقد حتى يقول معه : زوجتك ابنتى ، ويقول الزوج : قبلتُ هذا التزويج ، لأن هذين ركنا العقد ولا ينعقد بدونهما .
ويقول الإمام ابن تيمية : "والتحقيق : إن المتعاقدين إن عرفا المقصود ، فأى لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد" (2) .
ومذهب جمهور العلماء أن العقد ينعقد بكل لفظ يدل عليه ولا يختص بلفظ النكاح أو التزويج ، وركنا الزواج : إيجاب وقبول (وهى صيغة العقد) ، وشروطه أربعة :ـ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ :
ويُشترط لصحة العقد أموراً أربعة : الصداق ، الإعلان ، الشهود ، الولى .
1ـ الصداق : لقوله تعالى : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء : 4) ، وقوله تعالى : (أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) (البقرة :236) ، وقوله تعالى : (أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء : 2 4) .
2ـ الإعلان : لبيان حِله من حرامه أانه نكاح لا سفاح ، قال  : "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ" (1) وقوله  : "أشيدوا النكاح ، أشيدوا النكاح ، هذا النكاح لا السفاح" (2) .
وقد قال بعض أهل العلم بوجوبه ، والبعض بأنه مندوب .
3ـ الشهود : لقوله  : "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل" (3) .
4ـ الولى : "لقوله  : " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " (4) .
فإذا توافرت هذه الشروط الأربعة صح العقد والزواج ، وقد تقدم الحديث عن الصداق ، والإعلان ، وحضرت الشهود فى المسجد تشهد إعلان هذا الزواج المبارك ، وبقى الولى ، وهنا ننبه إلى قضية "الزواج العرفى" (5) ، قال  : " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " (6) ، وولى العروس : الأب ، الأخ ، العم ، الخال ، أولى العصبة الأقرب فالأقرب .
ـ وهنا يُطرح سؤال وهو : هل يشترط أن يضع الخاطب يده فى يد الولى كما نرى حين العقد ، وكما يصنع "المأذون" أن يضع المنديل على يد الخاطب والولى ، وما يقوله من ألفاظ نحو : على مذهب الإمام أبى حنيفة…؟ .
والجواب : انه لا يشترط وضع يد الخاطب فى يد الولى ، ولا أصل لوضع المنديل ، وكذا لا أصل فى السنة !!! لقول المأذون وتخصيص مذهب أبى حنيفة ، إنما لأن هذا لمذهب كان هو المأخوذ به فى مصر ، فجاء هذا اللفظ من المأذون ، والله أعلم .
ـ لطيفة : الفرق بين النكاح ـ الزواج :
لا يفرق كثير من أهل اللغة وشارحى القرآن بين لفظتى "النكاح" و "الزواج" فتستعمل كل لفظة مكان الأخرى ، ولكن القرآن وضع كل لفظة فى مكان لتدل على معنى بعينه ، لا يدل عليه الاخر .
فلفظ "النكاح" ففى كتاب الله تعالى تأتى للدلالة على العقد الشرعى ، وما يترتب عليه من أحكام شرعية ، دون الوطء والمعاشرة الزوجية .
يوضحه الاصل الُلغوى للفظ النكاح ، فالنون والكاف والحاء أصل واحد وهو البضاع ، والنكاح يكون للعقد للعقد دون الوطء .
ومما يدل على ما سبق ويُشفى العى قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) (الاحزاب :49) ، ففى قوله تعالى : (مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) خير دليل على أن المراد بالنكاح إما هو العقد دون الوطء .
ومن الادلة أنه يأتى للدلة على الأحكام الشرعية قوله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) (النساء :22) ، وقوله تعالى : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) (الاحزاب :53) ، وقوله تعالى : (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الممتحنة :10) ، وقوله تعالى : (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور : 3) ، وقوله تعالى : (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) (النساء : 25) إلى غير ذلك من الآيات .
إن لفظ "الزواج" فإنه أعم وأشمل من "النكاح" ، فهو يأتى على عدة معان منها : الدلالة على مطلق الاقتران بين اثنين كما فى قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ) (النساء : 20) ، وقوله تعالى : (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (البقرة : 230) ، وقوله تعالى عن شياطين الإنس من اليهود وتعلمهم السحر : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) (البقرة : 102) ، وقوله تعالى : (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ) (الاحزاب : 37) ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم) (البقرة : 240) وفى الآية الاخيرة دلالة على أن "الزواج" يأتى بمعنى الأحكام الشرعية المترتبة على الزواج ، وكقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) (الاحزاب : 50) ، وكقوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) (النساء : 12) .
ـ وتأتى كلمة "الزواج" أيضاً فى كتاب الله تعالى بمعنى "الجمع" كما يدل عليه اللفظ لغة كما فى قوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (هود : 40) ، وقوله تعالى : (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (الرعد : 3) ، وقوله تعالى : (وَمِن كُلِّ شئ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات : 49) ، وقوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى : 50) .
ـ كما تأتى أيضاً بمعنى "النوع" كما فى قوله تعالى : (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (ق : 7) ، وقوله تعالى : (وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج : 5) ، وقوله تعالى : (فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (لقمان : 10) .
وعليه فلفظ "الزواج" أعم وأشمل دلالة من لفظ "النكاح" . والله أعلى وأعلم (1) .
ـ الدعاء للعروسين : أما الدعاء للعروسين فقد صح عن النبى من حديث أبى هريرة أن النبى  :" كَانَ إِذَا رَفَّأَ(1) الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي الْخَيْرِ "(2) .
وعن عائشة ـ رضى الله عنه ـ قالت : "تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ  فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ" (3)
ونهى  عن قول "بالرفاء والبنين" ، فقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل قال : " تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ فَقَالَ مَهْ لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ  قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ لَهَا فِيكَ وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا" (4) .
ولا حرج فى قيام العروس على خدمة الحُضور لما روى البخارى : "لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ  وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ  مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ" (5) .
على ألا تكون متبرجة سافرة تأمن الفتنة .
ـ وبعد العقد والدعاء للعروسين ينصرف العروسان إلى بيت الزوجية ليبدا معاً أولى أيام وليإلى حياتهما الزوجية .
ـ ليلة الزفاف (1) : الصلاة أولاً :
ـ ويبدأ العروسان ليلة زفافهما بدخول البيت ـ بالرجل اليمنى ـ وإلقاء السلام ، ثم بالصلاة ركعتين لله تعالى ، فقد صحّ عن عبد الله بن مسعود انه قال لمن جاء يسأله قائلاً : "أنى تزوجت جارية شابة ـ بكراً ـ وأنى أخاف أن تفركنى (2) " فقاله له عبد الله بن مسعود : إن الإلف من الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم ، فإذا أتتك فأمرها أن تصلى وراءك ركعتين" وفى رواية أخرى : "وقل : اللهم بارك لى فى أهلى ، وبارك لهم فى ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير ، وفرّق بيننا إذا فرقت إلى خير" (3) .
ـ وعن أبى سعيد مولى أبى أسيد قال : "تزوجت وأنا مملوك ، فدعوت نفراً من أصحاب النبى  فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال: وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا : إليك ! قال : أوَكذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ، وعلمونى فقالوا : إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم شأنك وشأنك أهلك" (4) .
ـ وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
روى أبو داود قوله  : "1845إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا(1) عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ" (2) .
وبعد أن أتم العروس الدعاء إذا به يلتفت تجاه عروسه فيطبع على جبهتها قبلة حانية رقيقة وقد وضع يديه على كتفيها أو رقبتها ، كتوطئة وتهيئة نفسية للعروس .
ثم يترك العروس عروسه لتدخل حجرتها لتلتقط أنفاسها بعد هذه القبلة التى طبعت على جبهتها للمرة الأولى من رجل لم تألفه بعد ، ثم لتتزين وتتهيأ نفسياً لما وراء هذه القبلة من أحداث ستجرى ألقتها أمها أو صديقاتها فى رأسها .
وهنا ننبه إلى كيفية بدء الرجل الليلة الأولى من ليالى حياته الزوجية ، وبيان أهمية هذه الليلة عند كل فتاة تخطو خطوتها الأولى مع شريك العمر .
قصة من الواقع : وأسوق إليك هذه القصة لرجل تزوج حديثاً وكان ككثير من الشباب يتخيل ويرتب فى رأسه ما سيفعله فى ليلة الزفاف "ليلة العمر" يقول :
ما إن دخلت بيتى وأغلقت الباب بعد سلامى على من أوصلونى إلى البيت حتى نظرت إلى زوجتي فوجدتها قد تأهبت للصلاة ركعتين إتباعاً للسنة وكأفضل بداية للحياة الزوجية ولهذه الليلة "ليلة العمر" وبعد أن انتهيت من الصلاة وزوجتى خلفى حتى نظرت إليها بحب وودٍ ، ثم طبعت قبلة رقيقة على جبهتها وحمدت الله تعالى أن جمعنى بها وعليها على كتاب الله وعلى سنة رسوله  ، فحمدت هى الأخرى هذا لله تعالى ، ثم تركتها تدخل حجرتها لتتزين ولتلتقط أنفاسها ،ثم جلست إلى الأريكة وأنا أتفكر كيف أبدأ ليلتى وهى أهم ليلة فى حياتى الزوجية وحياتها وكنت قد قرأت عن بعض الحالات النفسية التى أصابت بعض الفتيات من جراء الجهل بكيفية بدء الحياة الزوجية ليلة الزفاف ، فمنهم من تقول : لقد دخل على زوجى حجرتى كالثور الهائج فأصابنى بالهلع مما رأيت ، رأيت رجلاً عارياً تماماً و "كرشه" ـ هكذا ـ أمامه ينظر إلى كفريسة وقعت بين يديه وقد أكله الجوع ، وعينان تبرقان كالبرق ينفذان إلى قلبى ، فلم أدر إلا وجسدى كله قد أصابته الرعشة والتشنج ، ولم أفق من غيبوبتى إلا وأمى بجوارى ، وفى الصباح كان الطلاق ! (1) .
وأخرى تروى قصتها فتقول : لقد رأيت عينيه تغتصبنى قبل أن تمتد يده إلى جسدى ، فتمالكت نفسى وأخذت نفساً عميقاً تهيئة له ، ولما "سقط" ـ كذا ـ علىَّ بجسده وتحسست يديه جسدى لم أتمالك نفسى من دفعه عنى ، ولم يكن هناك شئ حتى ثلاث ليال .
وهذا رجل تتدلل عليه زوجته فيظنه كرهاً ! فيربِطها ـ بعد أسبوع من العناء ـ فى "السرير" حتى يثبت رجولته ، وآخر لم يستطع التغلب على حصون القلعة فيأتى بمن يساعده بالطريقة "البلدى" (2) !!! .
يقول : دارت فى رأسى هذه الأفكار وغيرها وأنا أبدأ أول ليلة من ليالى الحياة الزوجية ، وأنا أعلم أن لهذه الليلة الأثر كل الأثر فى الحياة الزوجية مستقبلاً .
يقول : وبينما أنا مع أفكارى وخواطرى إذا بخشخشة تخرج من حجرة الزوجة ـ وكأنها تقول : هيئت لك ! ـ فطرحت أفكارى جانباً ونهضت ناحية الغرفة فطرقت الباب طرقاً خفيفاً مازحاً : العشاء جاهز .
فخرجت فتاة أحلامى فى ثوبها الرقيق الشفاف فأخذتنى "الرهبة" واحمر وجهى خجلاً مما أرى ـ فهذه هى المرة الأولى التى أرى فيها امرأة بهذه الثياب ـ فتمالكت نفسى ثم مددت يدى إلى يدها برفق لأخذها لنجلس معاً لتناول العشاء ، وما إن جلست بجانبى حتى شعرت بأن الخوف والرهبة والأفكار التى كانت تملأ رأسى قد ذهبت وتبخرت ، وشعرت كأنى أجلس فى حمام بارد فبرد جسدى كله ، نعم ، ولم يدر برأسى إلا أن : هذه زوجتك وليست فريستك ، فلما العجلة ؟ هى لك ومعك وبين يديك الآن وبعد ساعة بل غداً وبعد غدٍ ودائماً إن شاء الله تعالى ، فلِما العجلة ؟! .
ومددت يدى التقط بعض الطعام أضعه فى فيها إتباعاً لحديث النبى  أن للرجل أجراً حين يضع اللقمة فى فم امرأته .
يقول : وناولتها الطعام مصحوبة بنظرة حانية تقول : مهلاً حبيبتى لا تخافى ، ثم خطر برأسى خاطر رأيته أحسن ما يُذهب رهبتها وخوفها ، فقمت إلى مكتبى فأحضرت بعض الأوراق و "والكراسات" التى كنت أدون فيها بعض خواطرى حال صباى ، وأخذت أعرض عليها بعض أفكارى لتتلمح بعض شخصيتى ولأذهب رهبتها وخوفها ، وأخذت أقرأ وهى تسمع ، وتارة تقرأ هى وأسمع أنا ، مع تعليقى على بعض الكلمات والضحك من بعض الكلمات والأفكار والخواطر ، وكنت أتلمس الفرصة لألمس يديها أو شعرها .
ولم ندر إلا وقد انقضت ساعة كاملة شعرنا فيها ـ معاً ـ بالحاجة إلى القبلة واللمسة فأمسكت بيديها وقبلتهما ثم شفتيها ، وكانت قبلة طويلة حارة أخذتنا إلى عالم آخر فلم نشعر إلا وقد انتقلنا من الحجرة الخارجية وإذا بنا على فراش الزوجية .
يقول : فكانت هذه أول ليلة من ليالى حياتنا الزوجية .
وبعد خمس سنوات من الزواج جلسنا معاً نتذكر أول ليلة ، فكان من قولها : إن البنات فى ليلة الزفاف تمتلئ رؤوسهن بالحكايات والقصص التى تجعل أكثرهن يهبن هذا اليوم ، وأنا كنت كغيرى البنات ، كنت احسب لهذه الليلة ألف حساب ، ولكنك أذهبتَ كل خوفى ورهبتى بما كان من قراءة تلك الأوراق التى كنتَ تسطرها قبل زواجنا ، وعدم العجلة فجزاك الله عنى كل خير .
أقول : إنما سقت إليك هذه القصة لما نسمع ونرى من الجهل بكيفية بدء ليلة الزفاف الأولى فى حياة الزوجين ، وما يترتب على هذه الليلة من سعادة أو شقاوة لأى من الزوجين أو كلاهما .
ـ ما يقول الرجل حين يجامع أهله :روى البخارى عن ابن عباس يبلغ به النبى  قال : "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ " (1) .
قال القاضى : قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان ، وقيل : لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره ، قال : ولم يحمله أحد على العموم فى جميع الضرر والوسوسة والإغواء ، هذا كلام القاضى (1) .
ـ فض غشاء البكارة : وعلى الزوج أن يكثر من المداعبة والملاعبة قبل أن يبدأ فى فض غشاء البكارة ، ويكون أمره باللين حتى تلين زوجه معه ، وعليه بمداعبة باطن الفخذين حتى يلينا فينفرجا فيسهل الأمر عليه ، فإذا أحس منها باللين أولج عضوه باللين أيضاً وعلى مهلٍ ، ولا يكثر من الإيلاج أو الدفع بشدة ، حتى إذا انفض الغشاء ترك زوجته قليلاً لتزيل أثر الدم ، وليتركها ساعة تستريح (2) .
ـ وأفضل أشكال فض البكارة وإزالتها :
أن تستلقى المرأة على ظهرها ، وتطوى فخذيها وقد انفرجا حتى يلتصقا بكتفيها ، - والزوج يقبل شفتيها حتى لا تشعر بالحرج أو الخوف - فينفرج الفرج والشفران مما يُسهل الإيلاج للزوج ، وهذا هو أفضل الأشكال وأحسنها (3) .


ـ كيف يأتى الرجل أهله :وللرجل أن يأتى امرأته كيف شاء مقبلة ومدبرة ، مجبية (1) وعلى حرف (2) ، قائمة وجالسة وقاعدة ، على أن يحذر الدبر والحيضة .
قال تعالى : (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : 223) أى : كيف شئتم .
ففى الصحيحين عن جابر قال : "كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (البقرة : 223) (3) وفى لفظٍ للإمام مسلم :"إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ".
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : "كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ وَقَالَتْ إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي حَتَّى شَرِيَ(4) أَمْرُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ  ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أَيْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ " (1) .
ـ الوليمة صبيحة العرس (2) : وتجب الوليمة بعد الدخول لقوله  لما خطب على فاطمة ـ رضى الله عنها ـ : "أنه لابد للعروس من وليمة ، قال : فقال سعد : على كبش ، وقال فلان : على كذا وكذا من ذرة ، وفى رواية : وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً ذرة" (3) .
ـ وعن أنس  قال : "أولم رسول الله  إذ بنى بزينب ، فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً ، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فلسم عليهن ، ودعا لهن ، وسلم عليهن ودعون له ، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه" (4) .
ـ وعنه  قال : "بنى رسول الله  بامرأة فأرسلنى فدعوت رجالاً على الطعام"(5) .
ـ والسنة فيها أن تكون ثلاثة أيام : لحديث أنس أيضاً  قال : "تزوج النبى  صفية ، وجعل عتقها صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام" (6) .
ـ وأن يدعو إليها الصالحين لقوله  فى الحديث العام : "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ" (7) .
ـ أن يولم بشاة أو أكثر إن كان فى الأمر سَعة لقوله  : "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" (8) .
ـ جواز الوليمة بالتمر واللبن والسمن :وإن لم يكن فى الأمر سعة أولم بالطعام دون اللحم لقول أنس قال : "أَقَامَ النَّبِيُّ  بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أُمِرَ بِالْأَنْطَاعِ(1) فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ(2) وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ " (3) .
ـ مشاركة أهل الخير والسعة فى الوليمة : لحديث أنس  قال فى قصة زواج النبى  بأم المؤمنين صفية : "حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ  عَرُوسًا فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ قَالَ وَبَسَطَ نِطَعًا قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ " (4) .
ـ النهى عن تخصيص الأغنياء بالدعوة :
ـ ولا يجوز تخصيص الأغنياء بالدعوة إلى الوليمة لقوله  : "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ" (5) .
ـ ويجب إجابة الدعوة لقوله  فى الحديث السابق : "وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، وقوله : " فُكُّوا الْعَانِيَ(1) وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ"(2) .
ـ وعليه إجابة الدعوة وان كان صائماً لحديث أبى سعيد الخدرى  قال : "صنعت لرسول الله  طعاماً فأتانى هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : أنى صائم ، فقال رسول الله  : دعاكم أخوكم وتكلف لكم ! ، ثم قال له : افطر وصم مكانه يوماً إن شئتَ" (3) .
وقال  : "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ(4) وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا(5) فَلْيَطْعَمْ" (6) .
ـ وعلى من حضر الدعوة الدعاء لصاحبها لحديث عبد الله بن بسر  أن أباه صنع طعاما للنبى  فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال : "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ " (7) .
ـ وفى حديث آخر : "اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي " (8) .
ـ وفى حديث ثالث يدعو فيقول : "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ " (9) .
ـ ويمكث الزوج عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثة أيام .




القســـم الثـانـــى
ـ ومن أبواب الزواج :
ـ فإن قيل فما هى الشروط فى النكاح ؟ ـ الجواب : "جاء فى الصحيحين عنه " أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (1) ، وفيهما عنه :"لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" (2).
فتضمن هذا الحكم وجوب الوفاء بالشروط التى شرطت فى العقد إذا لم تتضمن تغييراً لحكم الله ورسوله .
وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله والضمين والرهن به ونحو ذلك وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء والإنفاق والخلو عن المهر ونحو ذلك .
واختلف فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وشرط دار الزوجة ، وأنه لا يتسرى عليها ولا يتزوج عليها فأوجب أحمد وغيره الوفاء به ومتى لم يف به فلها الفسخ عند أحمد.
واختلف فى اشتراط البكارة والنسب والجمال والسلامة من العيوب التى لا يفسخ بها النكاح وهل يؤثر عدمها فى فسخه على ثلاثة أقوال ثالثها الفسخ عند عدم النسب خاصة ، وتضمن حكمه  بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها وأنه لا يجب الوفاء به .
ـ فإن قيل فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا وأبطلتم شرط طلاق الضرة ؟
ـ الجواب : قيل : الفرق بينهما أن فى اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس فى اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها ، وقد فرق النص بينهما فقياس أحدهما على الآخر فاسد" (1) .
ـ فإن قيل فما حكم الإسلام فيمن تزوج بامرأة فوجدها حبلى ؟
ـ قال الإمام أحمد وجمهور الفقهاء وأهل المدينة ببطلان هذا النكاح ، ويجب المهر المسمى أو مثله أو أقل منه على اختلاف بينهم ، ويجب عليها الحد وهو أحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
ـ إذن فما هى المحرمات من النساء ؟
ـ الجواب : "حرَّم الأمهات وهن كل من بينك وبينه إيلاد من جهة الأمومة أو الأبوة كأمهاته وأمهات آبائه وأجداده من جهة الرجال والنساء وإن علون .
وحرَّم البنات وهن كل من انتسب إليه بإيلاد كبنات صلبه وبنات بناته وأبنائهن وإن سفلن .
وحرَّم الأخوات من كل جهة .
وحرَّم العمات وهن أخوات آبائه وإن علون من كل جهة .
وأما عمة العم فإن كان العم لأب فهى عمة أبيه وإن كان لأم فعمته أجنبية منه فلا تدخل فى العمات ، وأما عمة الأم فهى داخلة فى عماته كما دخلت عمة أبيه فى عماته .
وحرَّم الخالات وهن أخوات أمهاته وأمهات آبائه وإن علون ، وأما خالة العمة فإن كانت العمة لأب فخالتها أجنبية وإن كانت لأم فخالتها حرام لأنها خالة ، وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة لأم فعمتها أجنبية وإن كانت لأب فعمتها حرام لأنها عمة الأم .
وحرَّم بنات الأخ وبنات الأخت فيعم الأخ والأخت من كل جهة وبناتهما وإن نزلت درجتهن .
وحرَّم الأم من الرضاعة فيدخل فيه أمهاتها من قبل الآباء والأمهات وإن علون وإذا صارت المرضعة أمه صار صاحب اللبن وهو الزوج أو السيد إن كانت جارية أباه وآباؤه أجداده فنبه بالمرضعة صاحبة اللبن التى هى مودع فيها للأب على كونه أبا بطريق الأولى لأن اللبن له وبوطئه ثاب ولهذا حكم رسول الله  بتحريم لبن الفحل (1) فثبت بالنص وإيمائه انتشار حرمة الرضاع إلى أم المرتضع وأبيه من الرضاعة وأنه قد صار ابناً لهما وصار أبوين له فلزم من ذلك أن يكون إخوتهما وأخواتهما خالات له وعمات وأبناؤهما وبناتهما إخوة له وأخوات فنبه بقوله : (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء : 22) على انتشار حرمة الرضاع إلى إخوتهما وأخواتهما كما انتشرت منهما إلى أولادهما فكما صاروا إخوة وأخوات للمرتضع فأخوالهما وخالاتهما أخوال وخالات له وأعمام وعمات له ، الأول بطريق النص ، والآخر بتنبيهه، كما أن الإنتشار إلى الأم بطريق النص وإلى الأب بطريق تنبيهه .
وهذه طريقة عجيبة مطردة فى القرآن لا يقع عليها إلا كل غائص على معانيه ووجوه دلالاته ، ومن هنا قضى رسول الله  أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولكن الدلالة دلالتان خفية وجلية فجمعهما للأمة ليتم البيان ويزول الإلتباس ويقع على الدلالة الجلية الظاهرة من قصر فهمه عن الخفية .
وحرَّم أمهات النساء فدخل فى ذلك أم المرأة وإن علت من نسب أو رضاع دخل بالمرأة أو لم يدخل بها لصدق الإسم على هؤلاء كلهن .
وحرَّم الربائب اللاتى فى حجور الأزواج وهن بنات نسائهم المدخول بهن فتناول بذلك بناتهن وبنات بناتهن وبنات أبنائهن فإنهن داخلات فى اسم الربائب وقيد التحريم بقيدين أحدهما كونهن فى حجور الأزواج .
والثانى : الدخول بأمهاتهن فإذا لم يوجد الدخول لم يثبت التحريم وسواء حصلت الفرقة بموت أو طلاق هذا مقتضى النص .
وذهب زيد بن ثابت ومن وافقه وأحمد فى رواية عنه إلى أن موت الأم فى تحريم الربيبة كالدخول بها لأنه يكمل الصداق ويوجب العدة والتوارث فصار كالدخول والجمهور أبوا ذلك وقالوا الميتة غير مدخول بها فلا تحرم ابنتها والله تعالى قيد التحريم بالدخول وصرح بنفيه عند عدم الدخول .
وأما كونها فى حجره فلما كان الغالب ذلك ذكره لا تقييداً للتحريم به بل هو بمنزلة قوله : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء : 31) ولما كان من شأن بنت المرأة أن تكون عند أمها فهى فى حجر الزوج وقوعاً وجوازاً فكأنه قال اللاتى من شأنهن أن يكن فى حجوركم .
ففى ذكر هذا فائدة شريفة وهى جواز جعلها فى حجره وأنه لا يجب عليه أبعادها عنه وتجنب مؤاكلتها والسفر والخلوة بها فأفاد هذا الوصف عدم الامتناع من ذلك .
ولما خفى هذا على بعض أهل الظاهر شرط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حجر الزوج وقيد تحريمها بالدخول بأمها وأطلق تحريم أم المرأة ولم يقيده بالدخول فقال جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم إن الأم تحرم بمجرد العقد على البنت دخل بها أو لم يدخل ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم وقالوا أبهموا ما أبهم الله وذهبت طائفة إلى أن قوله : (اللاَّتِي دَخَلْتُم) (النساء : 23) وصف لنسائكم الأولى والثانية وأنه لا تحرم الأم إلا بالدخول بالبنت وهذا يرده نظم الكلام وحيلولة المعطوف بين الصفة والموصوف وامتناع جعل الصفة للمضاف إليه دون المضاف إلا عند البيان ، فإذا قلتَ : مررتُ بغلام زيد العاقل ، فهو صفة للغلام لا لزيد إلا عند زوال اللبس، كقولك مررت بغلام هند الكاتبة ، ويرده أيضاً جعله صفة واحدة لموصوفين مختلفى الحكم والتعلق والعامل وهذا لا يعرف فى اللغة التى نزل بها القرآن .
وأيضاً فإن الموصوف الذى يلى الصفة أولى بها لجواره والجار أحق بصفته ما لم تدع ضرورة إلى نقلها عنه أو تخطيها إياه إلى الأبعد .
ـ فإن قيل فمن أين أدخلتم ربيبته التى هى بنت جاريته التى دخل بها وليست من نسائه ؟
قلنا السرية قد تدخل فى جملة نسائه كما دخلت فى قوله : (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : 223) ودخلت فى قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ) (البقرة : 187) ودخلت فى قوله : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء) (النساء 22) .
ـ فإن قيل : فيلزمكم على هذا إدخالها فى قوله : (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) (النساء : 23) فتحرم عليه أم جاريته .
قلنا : نعم وكذلك نقول إذا وطئ أمته حرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل : فأنتم قد قررتم أنه لا يشترط الدخول بالبنت فى تحريم أمها فكيف تشترطونه ها هنا ؟
قلنا : لتصير من نسائه فإن الزوجة صارت من نسائه بمجرد العقد وأما المملوكة فلا تصير من نسائه حتى يطأها فإذا وطئها صارت من نسائه فحرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل : فكيف أدخلتم السرية فى نسائه فى آية التحريم ولم تدخلوها فى نسائه فى آية الظهار والإيلاء ؟
قيل : السياق والواقع يأبى ذلك فإن الظهار كان عندهم طلاقاً وإنما محله الأزواج لا الإماء فنقله الله سبحانه من الطلاق إلى التحريم الذى تزيله الكفارة ونقل حكمه وأبقى محله وأما الإيلاء فصريح فى أن محله الزوجات لقوله تعالى : (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 226 ـ 227) .
ـ وحرَّم سبحانه حلائل الأبناء وهن موطوآت الأبناء بنكاح أو ملك يمين فإنها حليلة بمعنى محللة ويدخل فى ذلك ابن صلبه وابن ابنه وابن ابنته ويخرج بذلك ابن التبنى وهذا التقييد قصد به إخراجه .
وأما حليلة ابنه من الرضاع فإن الأئمة الأربعة ومن قال بقولهم يدخلونها فى قوله : (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) (النساء : 23) ولا يخرجونها بقوله : (الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) (النساء : 23) ويحتجون بقول النبى  : "حرموا من الرضاع ما تحرمون من النسب" قالوا : وهذه الحليلة تحرم إذا كانت لابن النسب فتحرم إذا كانت لابن الرضاع ، قالوا : والتقييد لإخراج ابن التبنى لا غير وحرموا من الرضاع بالصهر نظير ما يحرم بالنسب ونازعهم فى ذلك آخرون وقالوا لا تحرم حليلة ابنه من الرضاعة لأنه ليس من صلبه والتقييد كما يخرج حليلة ابن التبنى يخرج حليلة ابن الرضاع سواء ولا فرق بينهما .
قالوا : وأما قوله  : "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" (1) فهو من أكبر أدلتنا وعمدتنا فى المسألة فإن تحريم حلائل الآباء والأبناء إنما هو بالصهر لا بالنسب والنبى  قد قصر تحريم الرضاع على نظيره من النسب لا على شقيقه من الصهر فيجب الإقتصار بالتحريم على مورد النص .
قالوا : والتحريم بالرضاع فرع على تحريم النسب لا على تحريم المصاهرة فتحريم المصاهرة أصل قائم بذاته والله سبحانه لم ينص فى كتابه على تحريم الرضاع إلا من جهة النسب ولم ينبه على التحريم به من جهة الصهر ألبتة لا بنص ولا إيماء ولا إشارة والنبى  أمر أن يحرم به ما يحرم من النسب وفى ذلك إرشاد وإشارة إلى أنه لا يحرم به ما يحرم بالصهر ولولا أنه أراد الإقتصار على ذلك لقال حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب والصهر .
قالوا : وأيضاً فالرضاع مشبه بالنسب ولهذا أخذ منه بعض أحكامه وهو الحرمة والمحرمية فقط دون التوارث والإنفاق وسائر أحكام النسب فهو نسب ضعيف فأخذ بحسب ضعفه بعض أحكام النسب ولم يقو على سائر أحكام النسب وهو ألصق به من المصاهرة فكيف يقوى على أخذ أحكام المصاهرة مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه
وأما المصاهرة والرضاع فإنه لا نسب بينهما ولا شبهة نسب ولا بعضية ولا اتصال قالوا : ولو كان تحريم الصهرية ثابتاً لبينة الله ورسوله بياناً شافياً يقيم الحجة ويقطع العذر فمن الله البيان وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم والإنقياد فهذا منتهى النظر فى هذه المسألة فمن ظفر فيها بحجة فليرشد إليها وليدل عليها فإنا لها منقادون وبها معتصمون والله الموفق للصواب .
فصــل
وحرَّم سبحانه وتعالى نكاح من نكحهن الآباء وهذا يتناول منكوحاتهم بملك اليمين أو عقد نكاح ويتناول آباء الآباء وآباء الأمهات وإن علون والاستثناء بقوله : "إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ" من مضمون جملة النهى وهو التحريم المستلزم للتأثيم والعقوبة فاستثنى منه ما سلف قبل إقامة الحجة بالرسول والكتاب .
فصــل
وحرَّم سبحانه الجمع بين الأختين وهذا يتناول الجمع بينهما فى عقد النكاح وملك اليمين كسائر محرمات الآية وهذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم وهو الصواب وتوقفت طائفة فى تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون : 5 ـ 6) ولهذا قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان أحلتهما آية وحرمتهما آية .
وقال الإمام أحمد فى رواية عنه : لا أقول هو حرام ولكن ننهى عنه ، فمن أصحابه من جعل القول بإباحته رواية عنه والصحيح أنه لم يبحه ولكن تأدب مع الصحابة أن يطلق لفظ الحرام على أمر توقف فيه عثمان بل قال ننهى عنه .
والذين جزموا بتحريمه رجحوا آية التحريم من وجوه :
ـ أحدها : أن سائر ما ذكر فيها من المحرمات عام فى النكاح وملك اليمين فما بال هذا وحده حتى يخرج منها ، فإن كانت آية الإباحة مقتضية لحل الجمع بالملك فلتكن مقتضية لحل أم موطوءته بالملك ولموطوءة أبيه وابنه بالملك إذ لا فرق بينهما ألبتة ولا يعلم بهذا قائل .
ـ الثانى : أن آية الإباحة بملك اليمين مخصوصة قطعاً بصور عديدة لا يختلف فيها اثنان كأمه وابنته وأخته وعمته وخالته من الرضاعة بل كأخته وعمته وخالته من النسب عند من لا يرى عتقهن بالملك كمالك والشافعى ولم يكن عموم قوله : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء : 3) معارضاً لعموم تحريمهن بالعقد والملك فهذا حكم الأختين سواء .
ـ الثالث : أن حل الملك ليس فيه أكثر من بيان جهة الحل وسببه ولا تعرض فيه لشروط الحل ولا لموانعه وآية التحريم فيها بيان موانع الحل من النسب والرضاع والصهر وغيره فلا تعارض بينهما ألبتة وإلا كان كل موضع ذكر فيه شرط الحل وموانعه معارضاً لمقتضى الحل وهذا باطل قطعاً بل هو بيان لما سكت عنه دليل الحل من الشروط والموانع .
ـ الرابع : أنه لو جاز الجمع بين الأختين المملوكتين فى الوطء جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتين فإن نص التحريم شامل للصورتين شمولاً واحداً وإن إباحة المملوكات إن عمت الأختين عمت الأم وابنتها .
ـ الخامس : أن النبى  قال : "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يجمع ماءه فى رحم أختين" (1) ولا ريب أن جمع الماء كما يكون بعقد النكاح يكون بملك اليمين والإيمان يمنع منه .
فصــل
وقضى رسول الله  بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وهذا التحريم مأخوذ من تحريم الجمع بين الأختين لكن بطريق خفى وما حرمه رسول الله  مثل ما حرمه الله ولكن هو مستنبط من دلالة الكتاب .
وكان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أحرص شئ على استنباط أحاديث رسول الله  من القرآن ومن ألزم نفسه ذلك وقرع بابه ووجه قلبه إليه واعتنى به بفطرة سليمة وقلب ذكى رأى السنة كلها تفصيلاً للقرآن وتبييناً لدلالته وبياناً لمراد الله منه وهذا أعلى مراتب العلم فمن ظفر به فليحمد الله ومن فاته فلا يلومن إلا نفسه وهمته وعجزه .
واستفيد من تحريم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها أن كل امرأتين بينهما قرابة لو كان أحدهما ذكراً حرم على الآخر فإنه يحرم الجمع بينهما ولا يستثنى من هذا صورة واحدة فإن لم يكن بينهما قرابة لم يحرم الجمع بينهما وهل يكره على قولين وهذا كالجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها .
واستفيد من عموم تحريمه سبحانه المحرمات المذكورة أن كل امرأة حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل الكتاب فإن نكاحهن حرام عند الأكثرين ووطؤهن بملك اليمين جائز وسوى أبو حنيفة بينهما فأباح نكاحهن كما يباح وطؤهن بالملك .
والجمهور احتجوا عليه بأن الله سبحانه وتعالى إنما أباح نكاح الإماء بوصف الإيمان فقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ) (النساء : 25) ، وقال تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) (البقرة : 221) خص ذلك بحرائر أهل الكتاب بقى الإماء على قضية التحريم وقد فهم عمر  وغيره من الصحابة إدخال الكتابيات فى هذه الآية فقال : لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول إن المسيح إلهها .
وأيضاً فالأصل فى الأبضاع الحرمة وإنما أبيح نكاح الإماء المؤمنات فمن عداهن على أصل التحريم وليس تحريمهن مستفادا من المفهوم .
واستفيد من سياق الآية ومدلولها أن كل امرأة حرمت حرمت ابنتها إلا العمة والخالة وحليلة الإبن وحليلة الأب وأم الزوجة وأن كل الأقارب حرام إلا الأربعة المذكورات فى سورة الأحزاب وهن بنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال والخالات .
فصــل
ومما حرمه النص نكاح المزوجات وهن المحصنات واستثنى من ذلك ملك اليمين فأشكل هذا الاستثناء على كثير من الناس فإن الأمة المزوجة يحرم وطؤها على مالكها فأين محل الاستثناء .
فقالت طائفة هو منقطع أى لكن ما ملكت أيمانكم ورد هذا لفظاً ومعنى أما اللفظ فإن الانقطاع إنما يقع حيث يقع التفريغ وبابه غير الإيجاب من النفى والنهى والاستفهام فليس الموضع موضع انقطاع ، وأما المعنى فإن المنقطع لا بد فيه من رابط بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج ما توهم دخوله فيه بوجه ما ، فإنك إذا قلت ما بالدار من أحد دل على انتفاء من بها بدوابهم وأمتعتهم فإذا قلت إلا حماراً أو إلا الأثافى ونحو ذلك أزلت توهم دخول المستثنى فى حكم المستثنى منه وأبين من هذا قوله تعالى : (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا) (مريم : 62) .
فاستثناء السلام أزال توهم نفى السماع العام فإن عدم سماع اللغو يجوز أن يكون لعدم سماع كلام ما وأن يكون مع سماع غيره وليس فى تحريم نكاح المزوجة ما يوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتى يخرجه .
وقالت طائفة : بل الاستثناء على بابه ومتى ملك الرجل الأمة المزوجة كان ملكه طلاقاً لها وحل له وطؤها وهى مسألة بيع الأمة هل يكون طلاقاً لها أم لا ؟ فيه مذهبان للصحابة فابن عباس  يراه طلاقاً ويحتج له بالآية وغيره يأبى ذلك ويقول كما يجامع الملك السابق للنكاح اللاحق اتفاقاً ولا يتنافيان كذلك الملك اللاحق لا ينافى النكاح السابق قالوا وقد خير رسول الله  بريرة لما بيعت ، ولو انفسخ نكاحها لم يخيرها ، قالوا : وهذا حجة على ابن عباس  فإنه هو راوى الحديث والأخذ برواية الصحابى لا برأيه .
وقالت طائفة ثالثة : إن كان المشترة امرأة لم ينفسخ النكاح لأنها لم تملك الإستمتاع ببضع الزوجة وإن كان رجلاً انفسخ لأنه يملك الاستمتاع به وملك اليمين أقوى من ملك النكاح وهذا الملك يبطل النكاح دون العكس قالوا وعلى هذا فلا إشكال فى حديث بريرة .
وأجاب الأولون عن هذا بأن المرأة وإن لم تملك الاستمتاع ببضع أمتها فهى تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع بالبضع .
وقالت فرقة أخرى الآية خاصة بالمسبيات فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها لسابيها بعد الإستبراء وإن كانت مزوجة وهذا قول الشافعى وأحد الوجهين لأصحاب أحمد وهو الصحيح ، كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى  : "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ  تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ".
فتضمن هذا الحكم إباحة وطء المسبية وإن كان لها زوج من الكفار وهذا يدل على إنفساخ نكاحه وزوال عصمة بضع امرأته وهذا هو الصواب لأنه قد استولى على محل حقه وعلى رقبة زوجته وصار سابيها أحق بها منه فكيف يحرم بضعها عليه فهذا القول لا يعارضه نص ولا قياس .
والذين قالوا من أصحاب أحمد وغيرهم : إن وطأها إنما يباح إذا سبيت وحدها قالوا لأن الزوج يكون بقاؤه مجهولاً والمجهول كالمعدوم فيجوز وطؤها بعد الإستبراء فإذا كان الزوج معها لم يجز وطؤها مع بقائه فأورد عليهم ما لو سبيت وحدها وتيقناً بقاء زوجها فى دار الحرب فإنهم يجوزون وطأها فأجابوا بما لا يجدى شيئاً وقالوا : الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب فيقال لهم الأعم الأغلب بقاء أزواج المسبيات إذا سبين منفردات وموتهم كلهم نادر جداً ثم يقال إذا صارت رقبة زوجها وأملاكه ملكاً للسابى وزالت العصمة عن سائر أملاكه وعن رقبته فما الموجب لثبوت العصمة فى فرج امرأته خاصة وقد صارت هى وهو وأملاكهما للسابى .
ودل هذا القضاء النبوى على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات ولم يشترط رسول الله  فى وطئهن إسلامهن ولم يجعل المانع منه إلا الإستبراء فقط وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام حتى خفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه فى غاية البعد فإنهن لم يكرهن على الإسلام ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة فى الإسلام ما يقتضى مبادرتهن إليه جميعا فمقتضى السنة وعمل الصحابة فى عهد رسول الله  وبعده جواز وطء المملوكات على أى دين كن وهذا مذهب طاووس وغيره وقواه صاحب المغنى فيه ورجح أدلته وبالله التوفيق" (1) .
ـ فماذا عن حكم النبى  فى نكاح التفويض ؟
ـ الجواب : ثبت عنه  : أنه قضى :"فى رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات أن لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشراً" (2) .
وفى سنن أبى داود عنه : "قَالَ لِرَجُلٍ أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانَةَ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا قَالَتْ نَعَمْ فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ" (3).
وقد تضمنت هذه الأحكام جواز النكاح من غير تسمية صداق وجواز الدخول قبل التسمية واستقرار مهر المثل بالموت وإن لم يدخل بها ووجوب عدة الوفاة بالموت وإن لم يدخل بها الزوج وبهذا أخذ ابن مسعود وفقهاء العراق وعلماء الحديث منهم أحمد والشافعى فى أحد قوليه .
وقال على بن أبى طالب وزيد بن ثابت ـ رضى الله عنهما ـ لا صداق لها وبه أخذ أهل المدينة ومالك والشافعى فى قوله الآخر .
وتضمنت جواز تولى الرجل طرفى العقد كوكيل من الطرفين أو ولى فيهما أو ولى وكله الزوج أو زوج وكله الولى ويكفى أن يقول زوجت فلاناً فلانة مقتصراً على ذلك أو تزوجت فلانة إذا كان هو الزوج وهذا ظاهر مذهب أحمد وعنه رواية ثانية : لا يجوز ذلك إلا للولى المجبر كما زوج أمته أو ابنته المجبرة بعبده المجبر ووجه هذه الرواية أنه لا يعتبر رضى واحد من الطرفين .
وفى مذهبه قول ثالث : "أنه يجوز ذلك إلا للزوج خاصة فإنه لا يصح منه تولى الطرفين لتضاد أحكام الطرفين فيه" (1) .
ـ فماذا عن حكمه  فى نكاح الشغار والمحلل والمتعة ونكاح المحرم ونكاح الزانية ؟
ـ الجواب : أما الشغار فأصله فى اللغة هو : الرفع ، كأن الرجل يقول : لا ترفع رجل ابنتى حتى ارفع رجل ابنتك ، ويقال : شغرت المرأة إذا رفعت رجلها عند الجماع ، وقد صح النهى عنه من حديث ابن عمر وأبى هريرة ، وفى صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعاً : "لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ" (2) ، وفى حديث ابن عمر : (3) ، وفى حديث أبى هريرة : وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي (1) .
وقد اختُلف فى علة النهى فقيل : لأن كل واحد من العقدين شرطاً فى الآخر ، وقيل : لأن هذا تشيك فى البضع ، وقيل : لأنه اصبح كل واحدة بضع الأخرى فلا انتفاع للمرأة بمهرها .
ـ وأما نكاح المحلل (2) : وهو أن تُطلق المرأة ثلاثاً فتحرُم بذلك على زوجها لقوله تعالى : (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (البقرة : 230) فيؤتى برجل آخر فيتزوج تلك المرأة ليحلها لزوجها الأول لتعود إليه ، وقد ثبت نهى النبى  عن هذا النكاح ، ففى المسند والترمذى من حديث ابن مسعود قال : "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ  الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ" (3) ، قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح ، وفى المسند من حديث أبى هريرة  مرفوعاً : "لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ" (4) .
وحكم هذا النكاح الفسخ ، ولا تحل به المرأة لزوجها الأول ، ويثبت لها المهر إن وطئها ، ثم يفرق بينهما .
ـ وأما نكاح المتعة : وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل مسمى ، يوماً أو يومين ، شهراً أو شهرين ، مقابل بعض المال ونحوه ، فإذا انقضى الأجل تفرقا من غير طلاق ولا ميراث ، والله أعلم .
وقد ثبت عن النبى  أنه نهى عنه عام الفتح ، فروى البخارى ومسلم عن على : "أن رسول الله  نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ" .
ـ وحكم هذا النكاح الفسخ ، ويثبت فيه المهر للزوجة إن دخل بها .
ـ وأما نكاح المُحْرِم : وهو نكاح المحرِم بحجة أو عمرة ، فثبت عنه فى صحيح مسلم من رواية عثمان بن عفان  قال : قال رسول الله  : "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ" (1) ، أى لا يُعقد له عقد نكاح ، ولا يَعقد لغيره ، فإن وقع فُسخ ، وجدد عقداً جديداً بعد انقضاء الحج أو العمرة .
ـ وأما نكاح الزانية : فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه فى سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو إما زانٍ أو مشركٍ ، وأيضاً فإنه سبحانه قال : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) (النور: 26) والخبيثات الزوانى وهذا يقتضى أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن .
وهو من أقبح القبائح أن يتزوج الرجل بزانية ، وفيه ظلم لولده من بعده الذى سيُعير بأمه ، وهو من سوء اختيار الأب وعدم الإحسان إلى ولده ، والرجل : لا يأمن فيه أيضاً على فراشه إن هو تزوج بزانية .
ـ فهل هناك أنكحة فاسدة أخرى ؟
ـ الجواب : نعم : كنكاح المعتدة : وهو أن يتزوج الرجل المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة ، لقوله تعالى : (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة : 235) .
ـ ونكاح المجوسية أو البوذية أو الشيوعية الكافرة عامة ، لقوله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) (البقرة :221) .


ـ ومن أحكام الخلع :ـ وماذا عن حكم رسول الله  فى الخلع ؟ وهو من القضايا التى ظهرت على الساحة المصرية فى الأيام الأخيرة ولا يزال الحديث عنها هو حديث الساعة ، مع عمل المحاكم بقانون الخلع وهو "إبراء المرأة زوجها" طلباً للطلاق ، إلا انه لما سمى البعض هذا العمل بـ "الخلع" جاء الاسم جديداً على الآذان وكأنه غير معمول به من قبل ! نعم قد زادوا عليه شيئاً يسيراً وهو طلب المرأة الخلع ، إلا أن السنة أوضحت لنا هذه القضية وبينتها خير بيان ، فهل لنا بإلقاء الضوء على بعض جوانب مسألة "الخلع" ومشروعيته وما يتعلق به ؟
سـ الجواب : إن الخلع معمول به فى القوانين المصرية منذ زمن بعيد ، ولكن عامة الناس تعرفه بـ "الإبراء" وهو إبراء المرأة زوجها ، أو تنازل المرأة عن حقها فى النفقة أو "المؤخر" أو الأثاث وما شابه ، إلا أنه لما ظهر وصف "الخلع" بدا جديداً على الآذان وكأنه لم يكن معمولاً به من قبل ، وقد أضاف القانون بعض الزيادات على القانون السابق ، كطلب المرأة الخلع ، وضرب مدة فى محاولة للإصلاح (6 أشهر) .
والخلع : هو اختلاع المرأة من زوجها ببدل أو عِوض تدفعه المرأة لزوجها ، وهو مأخوذ من خلع الثوب وإزالته ، لأن المرأة لباس الرجل ، والرجل لباس المرأة كما قال تعالى : (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة : 187) ويُسمى الفداء لأن المرأة تفتدى نفسها بما تبذله لزوجها ، وقد عرَّفه الفقهاء بأنه : فراق الرجل زوجته ببذلٍ يحصل له .
وقد أخذ الخلع مشروعيته من قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة : 229) ، وجاءت "افْتَدَتْ" نكرة لتدل على الزيادة أو النقصان أو المثل ، وهو المالكية والشافعية : لا فرق أن يخالع على الصداق أو بعضه أو على مال آخر سواء كان أقل أو أكثر ، ولا فرق بين العين والدين والمنفعة ما دام قد تراضيا على ذلك (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فالعِوض جزء أساسى فى مفهوم الخلع ، وفى الآية دليل على جوازه مطلقاً بإذن السلطان وغيره ، ومنعه طائفة بدون إذنه والأئمة الأربعة والجمهور على خلافه .
وفى الآية دليل على حصول البينونة به لأنه سبحانه سماه فدية ولو كان رجعياً كما قاله بعض الناس لم يحصل للمرأة الإفتداء من الزوج بما بذلته له ودل قوله سبحانه : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) على جوازه بما قل وكثر وأن له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، ومنع الخلع طائفة شاذة من الناس خالفت النص والإجماع .
وروى البخارى عن ابن عباس  : "أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً" (1) .
وفى سنن النسائى عن الرُبيع بنت معوذ :" أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا(2) وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ  إِلَى ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ خُذِ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا" (3) .




وفى سنن أبى داود عن ابن عباس :" أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ  عِدَّتَهَا حَيْضَةً (1) .
وقد اختلفت الروايات عن الصحابة والتابعين فى تجويز أخذ الزيادة أو تحريمها ، ومنهم من كرهها .
والذين قالوا بالجواز احتجوا بظاهر القرآن : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) والاثار :
فقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته أنها اختلعت من زوجها بكل شئ تملكه فخوصم فى ذلك إلى عثمان بن عفان فأجازه وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه (2) .
وذكر أيضاً عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من كل شئ لها وكل ثوب لها حتى نفسها (3) .
ورفعت إلى عمر بن الخطاب امرأة نشزت عن زوجها فقال اخلعها ولو من قرطها ذكره حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبى كثير عنه (4) .
والذين قالوا بتحريمها احتجوا بحديث أبى الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس لما أراد خلع امرأته قال النبى  : "أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم وزيادة فقال النبى  أما الزيادة فلا" (1) ، قال الدارقطنى سمعه أبو الزبير من غير واحد وإسناده صحيح .
وذكر عبدالرزاق عن معمر عن ليث عن الحكم بن عتيبة عن على بن أبى طالب لا يأخذ منها فوق ما أعطاها (2) .
وقال طاووس : لا يحل أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها (3).
وقال عطاء : إن أخذ زيادة على صداقها فالزيادة مردودة إليها (4) .
وقال الزهرى : لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
وقال ميمون بن مهران : إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يسرح بإحسان .
وقال الأوزاعى : كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها شيئً إلا ما ساق إليها .
ومنهم من قال بكراهتها كما روى وكيع عن أبى حنيفة عن عمار بن عمران الهمدانى عن أبيه عن على  : "أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها" (5) والإمام أحمد أخذ بهذا القول ونص على الكراهة ، وأبو بكر من أصحابه حرم الزيادة وقال : ترد عليها .
وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال : لى عطاء أتت امرأة رسول الله فقالت : يا رسول الله إنى أبغض زوجى وأحب فراقه قال فتردين عليه حديقته التى أصدقك قالت نعم وزيادة من مالى فقال رسول الله أما الزيادة من مالك فلا ولكن الحديقة قالت نعم فقضى بذلك على الزوج" (1) وهذا وإن كان مرسلاً فحديث أبى الزبير مقوٍ له وقد رواه ابن جريج عنهما .
ـ "وفى تسميته سبحانه الخلع فدية دليل على أن فيه معنى المعاوضة ولهذا اعتبر فيه رضى الزوجين فإذا تقايلا الخلع ورد عليها ما أخذ منها وارتجعها فى العدة فهل لهما ذلك منعه الأئمة الأربعة وغيرهم وقالوا قد بانت منه بنفس الخلع وذكر عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال فى المختلعة إن شاء أن يراجعها فليرد عليها ما أخذ منها فى العدة وليشهد على رجعتها قال معمر وكان الزهرى يقول مثل ذلك قال قتادة (2) .
وكان الحسن يقول : لا يراجعها إلا بخطبة (3) .
ولقول سعيد بن المسيب والزهرى وجه دقيق من الفقه لطيف المأخذ تتلقاه قواعد الفقه وأصوله بالقبول ولا نكارة فيه غير أن العمل على خلافه فإن المرأة ما دامت فى العدة فهى فى حبسه ويلحقها صريح طلاقه المنجز عند طائفة من العلماء فإذا تقايلا عقد الخلع وتراجعا إلى ما كانا عليه بتراضيهما لم تمنع قواعد الشرع ذلك وهذا بخلاف ما بعد العدة فإنها قد صارت منه أجنبية محضة فهو خاطب من الخطاب ويدل على هذا أن له أن يتزوجها فى عدتها منه بخلاف غيره .
ـ وفى أمره  المختلعة أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين أحدهما أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة ، وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبدالله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم ، كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهى تخبر عبدالله بن عمر  أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له إن ابنة معوذ إختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل ، فقال عبدالله بن عمر : فعثمان خيرنا وأعلمنا ، وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد فى رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال : من نصر هذا القول هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة فى مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفى فيه حيضة كالاستبراء قالوا ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنة ورجعية .
قالوا : وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وهو مذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والربيع وعمها ولا يصح عن صحابى أنه طلاق البتة ، فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس ـ رضى الله عنهم ـ أنه قال الخلع تفريق وليس بطلاق (1) .
وذكر عبدالرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس : أن إبراهيم بن سعد بن أبى وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها ؟ قال ابن عباس : نعم ، ذكر الله الطلاق فى أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك (1) .
فإن قيل : كيف تقولون إنه لا مخالف لمن ذكرتم من الصحابة وقد روى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان أن أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد واختلعت منه فندما ، فارتفعا إلى عثمان بن عفان فأجاز ذلك وقال : هى واحدة إلا أن تكون سمت شيئاً فهو على ما سمت (2) .
وذكر ابن أبى شيبة : حدثنا على بن هاشم ، عن ابن أبى ليلى ، عن طلحة بن مصرف ، عن إبراهيم النخعى ، عن علقمة عن ابن مسعود قال : لا تكون تطليقة بائنة إلا فى فدية أو إيلاء (3) ، وروى عن على بن أبى طالب ، فهؤلاء ثلاثة من أجلاء الصحابة رضى الله عنهم .
قيل : لا يصح هذا عن واحد منهم ، أما أثر عثمان فطعن فيه الإمام أحمد والبيهقى وغيرهما ، قال شيخنا : وكيف يصح عن عثمان وهو لا يرى فيه عدة وإنما يرى الاستبراء فيه بحيضة ، فلو كان عنده طلاقا لأوجب فيه العدة ، وجمهان الراوى لهذه القصة عن عثمان لا نعرفه بأكثر من أنه مولى الأسلميين .
وأما أثر على بن أبى طالب فقال أبو محمد بن حزم : رويناه من طريق لا يصح عن على  ، وأمثلها أثر ابن مسعود على سوء حفظ ابن أبى ليلى ، ثم غايته إن كان محفوظاً أن يدل على أن الطلقة فى الخلع تقع بائنة لا أن الخلع يكون طلاقاً بائناً ، وبين الأمرين فرق ظاهر ، والذى يدل على أنه ليس بطلاق أن الله سبحانه وتعالى رتب على الطلاق بعد الدخول الذى لم يستوف عدده ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع :
ـ أحدها : أن الزوج أحق بالرجعية فيه .
ـ الثانى : أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد زوج وإصابة .
ـ الثالث : أن العدة فيه ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة فى الخلع ، وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة ، وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين ووقوع ثالثة بعده وهذا ظاهر جداً فى كونه ليس بطلاق فإنه سبحانه قال : (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة : 229) وهذا وإن لم يختص بالمطلقة تطليقتين فإنه يتناولها وغيرهما ولا يجوز أن يعود الضمير إلى من لم يذكر ويخلى منه المذكور بل إما أن يختص بالسابق أو يتناوله وغيره ثم قال : (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ) وهذا يتناول من طلقت بعد فدية وطلقتين قطعاً لأنها هى المذكورة فلا بد من دخولها تحت اللفظ ، وهكذا فهم ترجمان القرآن الذى دعا له رسول الله  أن يعلمه الله تأويل القرآن وهى دعوة مستجابة بلا شك .
وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق دل على أنها من غير جنسه فهذا مقتضى النص والقياس وأقوال الصحابة ثم من نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها يعد الخلع فسخا بأى لفظ كان حتى بلفظ الطلاق وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد وهو اختيار شيخنا ، قال : وهذا ظاهر كلام أحمد وكلام ابن عباس وأصحابه ، قال ابن جريج أخبرنى عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول : ما أجازه المال فليس بطلاق (1) ، قال عبدالله بن أحمد : رأيت أبى كان يذهب إلى قول ابن عباس ، وقال عمرو عن طاووس عن ابن عباس : "الخلع تفريق وليس بطلاق" (2) ، وقال ابن جريج عن ابن طاووس كان أبى لا يرى الفداء طلاقا ويخيره (3) .
ومن اعتبر الألفاظ ووقف معها واعتبرها فى أحكام العقود جعله بلفظ الطلاق طلاقاً وقواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعى فى العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها وبالله التوفيق .
ومما يدل على هذا أن النبى  أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته فى الخلع تطليقة ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضة وهذا صريح فى أنه فسخ ولو وقع بلفظ الطلاق .
وأيضاً فإنه سبحانه علق عليه أحكام الفدية بكونه فدية ومعلوم أن الفدية لا تختص بلفظ ولم يعين الله سبحانه لها لفظاً معيناً وطلاق الفداء طلاق مقيد ولا يدخل تحت أحكام الطلاق المطلق كما لا يدخل تحتها فى ثبوت الرجعة والاعتداد بثلاثة قروء بالسنة الثابتة وبالله التوفيق (4) .
وتبقى كلمة : وهى قوله  محذراً كل امرأة تختلع من زوجها فى غير ما بأسٍ ، قال  : "الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ " (5) .


ـ فما هو زواج المسيار ؟
ـ زواج المسيار يتم بنفس أركان الزواج ، غير أن الزوجة تتنازل عن بعض حقوقها ، كالإنفاق ، أو عدم إقامة الزوج معها بصفة دائمة ، وفى صحته نظر .
ـ فماذا عن زواج الهبة : يعنى قول الفتاة للشاب : "وهبتك نفسى ، أو وهبت لك نفسى" ويقولون إن الزواج : إيجاب وقبول ، وأنه لم يكن على عهد النبى  ولا الصحابة "ورقة" قسيمة زواج (1) ، إنما كان الإيجاب والقبول ، فهل هذا الزواج ـ زواج الهبة ـ صحيحاً أم لا ؟
ـ الجواب : هذا نكاح باطل ، فقد أجمع العلماء على إن هبة المرأة نفسها غير جائز (2) ، وان هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح ، فهو صورة من صور الزنا ، وقد تقدم الحديث بشأن أركان الزواج ، وهما الإيجاب والقبول ، وشروطه وهى : الصداق ، الإعلان ، الشهود ، والولى .


ـ ومن أحكام الزواج العرفى :
ـ فماذا عن الزواج السرى أو الزواج العرفى كما يطلقون عليه ؟
ـ الجواب : لابد أن نفرق بين الزواج السرى الذى استوفى الشروط والأركان التى وضعها الإسلام والشرع الحنيف لتكون معاشرة الرجل للمرأة معاشرة صحيحة ، نكاحاً وليست سفاحاً ، وبين الزنا الذى يريد أن يلبسه البعض عباءة الإسلام ويسمونه بغير اسمه ويصفونه بغير وصفه ورسمه ، فيطلقون عليه "الزواج العرفى" ، والزواج والعرف منه براء .
فالزواج السرى الذى اجتمعت فيه الشروط والأركان ولكنه لم يُعلن لظروفٍ ما ، فهو زواج صحيح ، وإن لم يُقيد ، فالزواج السرى أو أى زواج إذا توافرت فيه أركان وشروط الزواج ، من الإيجاب والقبول ، والمهر والإعلان والشهود والولى فهو زواج صحيح ، سواء قُيد فى عقد أم لا ، فهو من الناحية الشرعية صحيح إذا استوفى شروط وأركان الزواج وكان للأبدية وليس لوقت محدد مع ما يستتبع الزواج الشرعى من أحكام وتبعات .
يلجأ إليه البعض ـ بعدم الإعلان ـ لظروفٍ ما ، إلا أنه صحيح فى ذاته ، على خلاف بين أهل العلم فى وجوب الإعلان أو كونه مندوباً .
ـ سؤال : لقد انتشر فى بلادنا ـ مصر ـ خاصة فى الجامعة مسالة الزواج العرفى ، وكذا هو منتشر بين كثير من الطبقات فى مصر ، فماذا عما يسمونه بالزواج العرفى ؟
ـ الجواب : إن الحديث عن تلك الصورة من الزنا التى فشت وطفحت بها كثير من الجامعات والتى يسمونها بـ "الزواج العرفى" له موضع آخر نبسط فيه الكلام ، ولكن للصلة بينه وبين موضوع الكتاب نتطرق إليه على إيجاز فى محاولة لبيان حِله من حرمته ، ولكن لابد أن نبين أولاً أن الناس يقعون فى خطأ حينما يطلقون على الزنا اسم "زواج" عرفى ! .
فإنه أولاً : لابد من تحديد الألفاظ ، فإطلاق البعض ـ على تلك الصورة من الزنا ـ الزواج " لعرفى" خطأ ، فالزواج العرفى : أى ما تعارف عليه الناس ، كما تدل عليه لفظة "عرفى" المشتقة من "العُرف" ، والناس فى بلاد الإسلام لم تتعارف على زواج "سرى" يعرفه الفتى والفتاة فقط ويجهله أهل الفتاة أو الفتى ، هذا أولاً .
أما ثانياً : فهو فقده شرطاً هاماً من شروط صحة الزواج وهو "الولى" ، وعليه فهو صورة من صور الزنا ، وهو نكاح باطل إذ لم تتوفر له شروط الزواج الشرعى كاملة .
ـ كيف ؟ وقد توفرات فيه أركان الزواج : الإيجاب والقبول ، ثم شروط صحته : المهر "الشرعى" ـ ربع جنيه ! (1) ـ والشهود ـ شاهدين من زملاء الجامعة ! أو الأصدقاء فى الرحلة ! (2) ـ والإعلان : وقد علم صديقى الجامعة ، أو زملاء الرحلة بزواج فلان من فلانة ؟
ـ الجواب : نعم ولكنه فقد شرطاً هاماً وهو الولى .
ـ فما هى الأدلة على فساد النكاح بدون الولى ؟
ـ الجواب : الأدلة كثيرة جداً ـ وليس هذا موضع بسطها ـ ولكنى أسوق اليك بعض كلام أهل العلم حول صحة اشتراط الولى .
ـ أولاً : من القرآن الكريم : قوله تعالى : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (النساء : 25) .
قال الإمام القرطبي فى تفسيره (5\141) : أى بولاية أهلن وإذنهن .
ـ وقوله تعالى : (وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة : 221) .
قال الإمام القرطبى فى تفسيره (3\72) : فى هذه الآية دليل بالنص على أنه لا نكاح إلا بولى .
وقال الطبرى (2\379) : هذا القول من الله تعالى ذكره دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة .
وقال ابن عطية (2\248) : إن الولاية فى النكاح نص فى لفظ هذه الآية .
ـ وقوله تعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : 232) .
وسبب نزول هذه الآية كما يقول معقل بن يسار : "زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) فَقُلْتُ الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ" (1) .
ـ قال الإمام الترمذى بعد روايته للحديث : وفى هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولى ، لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً ، فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلى وليها معقل بن يسار .
ويقول الحافظ فى الفتح (2) عند شرحه للحديث : وقد ذهب الجمهور إلى أن المرأة لا تزوج نفسها أصلاً .
ـ ومن السنة الشريفة قوله  : "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " (3) .
وفى السنن عنه من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ مرفوعاً : "أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَمْ يُنْكِحْهَا الْوَلِيُّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ" (1) قال الترمذى حديث حسن ، وفيها عنه : "لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا" (2) .
قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : البغية هى التى تزوج نفسها .
وقال الإمام مالك ـ صاحب المذهب المالكى ـ وقد سئل عن المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى ؟ قال : يُفرَّق بينهما ، دخل بها أو لم يدخل (3) .
ويقول الإمام احمد بن حنبل ـ صحاب المذهب الحنبلى ـ وقد سُئل عن امرأة أرادت التزويج فجعلت أمرها إلى الرجل الذى يريد أن يتزوجها وشاهدين ؟
قال : هذا ولى وخاطب ! لا يكون هذا ، والنكاح فاسد (4) .
ويقول الإمام الشافعى رحمه الله تعالى فى سفره العظيم "الأم" : فإن امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها (5) .
ـ فماذا عن قول الإمام أبى حنيفة ؟
ـ الجواب : هذا هو ما اعتمده أصحاب القول بصحة الزواج العرفى ، حيث قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بصحة الزواج دون ولى ، وقد خالف فى هذا القول جمهور أهل العلم ، ومن قبل السنة الصحيحة عن النبى  .
ـ كيف ؟ وهو الإمام الأعظم وأحد الأئمة الأربعة ؟
ـ الجواب : لا عجب ، فما من أحد قال أن الإمام الأعظم أو غيره من الأئمة أو الناس عامة قد جمع أصول العلم وفروعه ، وما غابت عنه سنة أو حديث من أحاديث النبى  ، بل قال بعضهم وقد سُئل : أين العلم كله ؟ قال : فى العَالم كلِه ، فما من أحد إلا وقد غابت عنه بعض السنة ، بل ما من أحد من الأئمة الأربعة إلا وقد صح عنه الأخذ بالحديث وإن خالف مذهبه .
فهذا الإمام مالك يقول : ليس لأحد بعد رسول الله  إلا ويؤخذ من قوله ويُرد ، إلا النبى  .
ويقول : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا فى رأيى ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
وهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول : رأى الأوزاعى ، ورأى مالك ، ورأى أبى حنيفة ، كله رأى ، وهو عندى سواء ، وإنما الحجة فى الآثار .
ويقول الإمام الشافعى رحمه الله تعالى : إذا صح الحديث فاضربوا بقولى الحائط .
بل وهذا الإمام أبو حنيفة يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبى .
قلت : وقد صح الحديث ، وهو قوله  : "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " (1) .
ـ إذن فما هو الدليل الذى اعتمده الإمام فيما ذهب إليه ؟
ـ الجواب : اعتمد الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى على قوله  : "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا " (2) .
وقد رد العلماء تأويل الإمام واعتماده إياه حجة فى صحة الزواج بدون ولى ، بل وهذا أبو الحسن ومحمد بن يوسف وهما حملة علم الإمام أبى حنيفة قد خالفا أستاذهما وشيخهما فى مسائل عديدة عندما تبينت لهما السنة ، وظهر لهما وجه الحق فيها، وقد روى الإمام الطحاوى فى "الشرح" (1) عن محمد بن الحسن وأبى يوسف : أنه لا يجوز تزويج المرأة بغير إذن وليها .
وقال شراح الحديث كالإمام النووى فى شرح مسلم : "قوله : أَحَقُّ بِنَفْسِهَا : يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها فى كل شئ من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وأبو داود .
ويحتمل : أنه أحق بالرضا ، أى : لا تزوج حتى تنطق بالإذن ، بخلاف البكر (2) .
وقد أفاض الإمام ابن حزم فى الرد فى كتابه "المحلى" (3) .
ـ كما اعتمد أيضاً الإمام أبو حنيفة ما رُوى أن النبى  : "خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي تَعْنِي شَاهِدًا فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا عُمَرُ زَوِّجِ النَّبِيَّ  فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ ".
وهذا حديث ضعيف ، أخرجه الإمام أحمد (6\295) والنسائى (3202) بسند ضعيف ، فيه ابن عمر ابن أبى سلمة : مجهول .
كما تُعقب أيضاً بأن الله  قال : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب : 6) كما أنه لم يكن أحد من أهلها حاضراً كما أخبرت هى ، ويكفى ضعف الحديث كما تقدم فلا يُحتج به .
وهذا حال الإمام رحمه الله تعالى : يعتمد حديثاً ضعيفاً (1) ثم يبنى عليه أصولاً وفروعاً ، كما يقول الإمام الشافعى رحمه الله تعالى : أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ، ثم يقيس الكتاب كله .
قال ابن أبى حاتم : لأن الأصل كان خطأً فصارت الفروع ماضية على الأصل (2) .
ـ واحتج بعضهم بحديث رواه الطحاوى : أن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن المنذر ابنَ الزبير ، وعبد الرحمن غائب بالشام ، فلما قدم عبد الرحمن قال : أمثلّي يُصنع به هذا ويُفتات عليه ؟ ووكلت عائشة المنذر فقال : إن ذلك بيد عبد الرحمن ، فقال عبد الرحمن : ما كنت أرد أمراً قضيته ، فقرَّت حفصة عنده ولم يكن طلاقاً" (3) .
وهذا متعقب بأنه موقوف ، والمرفوع مقدم على الموقوف (4) ، وهو أيضاً ليس صريحاً فى أنها ـ رضى الله عنها ـ أنها هى التى تولت التزويج ، فلعلها وكلت آخر ، كما روى الطحاوى أيضاً : "أنها انكحت رجلاً من بنى أخيها جارية من بنى أخيها فضربت بينهما بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق الا النكاح أمرت رجلاً فأنكح ، ثم قالت : ليس إلى النساء النكاح" (1) ، والآثار فى هذا كثيرة جداً .
ـ وعليه فالزواج العرفى المفتقد لشرط الولى هو نكاح فاسد لا يصح كما تقدم كلام أهل العلم ، وقد خالفهم الإمام أبو حنيفة (2) وتقدم الرد عليه .
ـ فما الذى يلجئ البعض إلى الزواج العرفى دون الشرعى أو الرسمى إذا توفرت له أسباب الزواج الشرعى ؟
ـ الجواب : الأسباب كثيرة جداً ، فمنها وأهمها : المغالاة فى المهور وتكاليف الزواج ، ومؤن الزواج كالشقة والأثاث وغير هذا ، وقد يكون خوف الزوج من معرفة الزوجة الأولى ـ إذ يُشترط إخبار الزوجة الأولى وإعلامها عند إقدام الزوج على الزواج مرة ثانية (قانوناً وليس شرعاً !) ، وإلا فالقانون يعطى الزوجة حق طلب الطلاق إذا تزوج زوجها بغيرها ! مما يؤدى بدوره إلى هدم البيت الأول وتشتت الأولاد ، وقد يكون خوف بعض النساء من (قطع) فقد المعاش ، إذا كانت المرأة قد تزوجت من قبل ولها معاش عن الزوج المتوفى ، أو معاش عن الأب أو الأم ، أو خوف معرفة الناس بزواج الدكتور مثلاً من الممرضة ، أو أستاذ الجامعة من طالبة ، أو المدير من السكرتيرة ، أو غير هذا من الفوارق الاجتماعية والأدبية التى يخشى عليها ، أو تهرباً من الخدمة العسكرية بقيد ولد واحد ، أو فارق العمر بين الرجل والمرأة ، أو زواج المسلم بالذمية ـ وخشية معرفة أهلها والغضب من ارتباطها بمن هو على غير ديانتها ، أو خوف نزع الأولاد من أحضان الأم بالحضانة إذا علم ـ الزوج السابق ـ بزواجها ، أو التخفف من أعباء الزواج الشرعى ومؤنه كما تقدم إلى غير ذلك الكثير .
ـ وتبقى كلمة : فليس كل زواج سرى صحيحاً ، وليس كل زواج عرفى صحيحاً .
ـ فماذا عن تعدد الزوجات ؟
ـ قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (النساء : 3) ، وقال  : "الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" (1) ، وكان عهد السلف الصالح التزوج بأكثر من واحدة ، وكان بعضهم إذا ماتت زوجته لم يبت ليلة دون زوجة جديدة ، فتعدد الزوجات مستحب وهو من هدى النبى ، وعليه سار السلف الصالح ، ولكن فى زمن التلفاز تقوم الدنيا ولا تقعد إذا فكر الزوج ـ مجرد تفكير ـ فى "التعدد" جلست الزوجة "تعدد" فى البيت وبدأ التوعد له إن هو تزوج ، وأخذت "تعدد" وتحتال له الحيل ، وتدور المسلسلات من أولها إلى آخرها فى بيان الحيل النسائية التى تحول دون وقوع تلك "المصيبة" والتى ستهدم البيت السعيد وتفرّق شتات الأسرة ، وكان لهذا التأثير السلبى على فكر ومعتقد كثير من نساء المسلمين .
يجرى هذا فى زمن تدفع فيه بعض الدول ـ الغير مسلمة ـ المال لكن من ينجب مولوداً جديداً !! بينما نحن لازلنا نستورد منهم وسائل منع الحمل خشية الانفجار السكانى ، وتنهال على رؤوس الناس الدعوة إلى الاكتفاء بزوجة واحدة ، وولد واحد أو اثنين على الأكثر ، ومن يتعدى هذا فالويل له كل الويل من وسائل الإعلام (1) .
ـ فماذا عن العيلة والفقر من جراء تعدد الزوجات والأولاد ؟ وقوله تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (النساء : 3) .
- "قال الشافعى : أن لا تكثر عيالكم ، فدل على أن قلة العيال أولى ، قيل : قد قال الشافعى رحمه الله ذلك وخالفه جمهور المفسرين من السلف والخلف وقالوا معنى الآية ذلك أدنى أن لا تجوروا ولا تميلوا فانه يقال عال الرجل يعول عولاً إذا مال وجار ومنه عول الفرائض لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص ، ويقال : عال يعيل عيلة إذا احتاج قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء) (التوبة : 28) ، وقال الشاعر :
وما يدرى الفقير متى غناه * وما يدرى الغنى متى يعيل
أى متى يحتاج ويفتقر .
وأما كثرة العيال فليس من هذا ولا من هذا ولكنه من أفعل يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله مثل ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر هذا قول أهل اللغة .
قال الواحدى فى بسيطه ومعنى تعولوا تميلوا وتجوروا عن جميع أهل التفسير واللغة وروي ذلك مرفوعاً ، روت عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى  فى قوله : (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) قال : "أن لا تجوروا" (1) وروى أن لا تميلوا ، قال : وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدى وأبى مالك وعكرمة والفراء والزجاج وابن قتيبة وابن الأنبارى .
قلت : ويدل على تعين هذا المعنى من الآية وان كان ما ذكره الشافعى رحمه الله لغة حكاه الفراء عن الكسائى أنه قال : ومن الصحابة من يقول عال يعول إذا كثر عياله قال الكسائى : وهو لغة فصيحة سمعتها من العرب لكن يتعين الأول لوجوه :
ـ أحدها : أنه المعروف فى اللغة الذى لا يكاد يعرف سواه ولا يعرف عال يعول إذا كثر عياله إلا فى حكاية الكسائى وسائر أهل اللغة على خلافه .
ـ الثانى : أن هذا مروى عن النبى ولو كان من الغرائب فإنه يصلح للترجيح .
ـ الثالث : أنه مروى عن عائشة وابن عباس ولم يعلم لهما مخالف من المفسرين وقد قال الحاكم أبو عبد الله : تفسير الصحابى عندنا فى حكم المرفوع .
ـ الرابع : أن الأدلة التى ذكرناها على استحباب تزوج الولود وأخبار النبى  أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة يرد هذا التفسير .
ـ الخامس : أن سياق الآية إنما هو فى نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره فإنه قال فى أولها : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (النساء : 3) فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى وهو نكاح ما طاب لهم من النساء البوالغ وأباح لهم منه ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم فى عدم التسوية بينهن فقال : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (النساء : 3) ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور وهذا صريح فى المقصود .
ـ السادس : أنه لا يلتئم قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) فى الأربع فانكحوا واحدة أو تسروا ما شئتم بملك اليمين فان ذلك أقرب إلى أن لا تكثر عيالكم بل هذا أجنبى من الأول فتأمله .
ـ السابع : أنه من الممتنع أن يقال لهم إن خفتم أن ألا تعدلوا بين الأربع فلكم أن تتسروا بمائة سرية وأكثر فانه أدنى أن لا تكثر عيالكم .
ـ الثامن : أن قوله : (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) تعليل لكل واحد من الحكمين المتقدمين وهما نقلهم من نكاح اليتامى إلى نكاح النساء البوالغ ومن نكاح الأربع إلى نكاح الواحدة أو ملك اليمين ولا يليق تعليل ذلك بعلة العيال .
ـ التاسع : أنه سبحانه قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ) ولم يقل : وإن خفتم أن تفتقروا أو تحتاجوا ولو كان المراد قلة العيال لكان الأنسب أن يقول ذلك .
ـ العاشر : أنه سبحانه إذا ذكر حكماً منهياً عنه وعلل النهى بعلة أو أباح شيئاً وعلل عدمه بعلة فلا بد أن تكون العلة مصادفة لضد الحكم المعلل وقد علل سبحانه إباحة نكاح غير اليتامى والاقتصار على الواحدة أو ما ملك اليمين بأنه أقرب إلى عدم الجور ومعلوم أن كثرة العيال لا تضاد عدم الحكم المعلل فلا يحسن التعليل به" (1) .
ـ هل صبغ المرأة لشعرها للتجمل أمام زوجها جائز ؟
ـ الجواب : لا حرج فيه ، بل هو مستحب ، على أن تتجنب السواد .
ـ ما معنى قوله  : "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ" (2) ؟
ـ قال الإمام النووى رحمه الله تعالى : المراد فى الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة ولا يوصفون بالموت ، قال : وإنما المراد : الأخ وابن الأخ ، والعم ، وابن العم ، وابن الأخت ، وغيرهم ممن يحل لها التزوج به لو لم تكن متزوجة ، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت ، وهو أولى بالمنع من الأجنبى" (3) .
ـ قلت : والمراد أن الموت أفضل للزوج والزوجة من الرضى بدخول أخ الزوج فى غياب الزوج ، أو : احذروا هذا الأمر حذركم الموت ، أو أن هذا يؤدى إلى وقوع الفاحشة بين أخ الزوج والزوجة مما يؤدى بدوره إلى وقوع حد الزنا للمحصنة وهو الموت ، أو : إن الموت أفضل للحمو من الدخول على زوجة أخيه فى غيابه .
وهنا قد يقول قائل : ما هذا التعسف والتشكك ، وتقول بعض الأمهات : "أخ الزوج لو وجد زوجة أخيه عارية لسترها بثوبه" !! ، فلما هذا التعنت والتشكك ، أنتم تفتحون الباب بهذا لهذا .
ـ نقول : هذا الحديث الشريف ليس من وضعنا وليس هو نتاج عقولنا وتجاربنا ، إنما هو حديث رسول الله  ، الذى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ، والذى خلق الخلق هو أعلم بهم وبنفوسهم وهو الذى حذرنا من دخول أقارب الزوج على الزوجة فى غياب الزوج ـ أأنتم أعلم أم الله ـ على لسان رسوله  ، فوجب على المؤمن أن يقول : سمعنا وأطعنا ، لا أن نقول كما قالت اليهود إخوان القردة والخنازير : سمعنا وعصينا ، هذا ووسائل الإعلام المقروءة تخرج علينا فى كل يوم بقصص قتل الأخ لأخيه بعد اكتشاف علاقة الأخ بزوجة أخيه علاقة محرمة ، وقصص عشق الصديق لزوجة صديقه والتأمر على قتله أصبحت تفوق الحصر .
ـ فالحذر الحذر أختاه من دخول أقارب الزوج أو أصدقائه فى غياب الزوج ، وهو حق من حقوق الزوج على زوجته .
ـ فماذا إذا وقع الخلاق والشقاق بين الزوجين ، إلى من يحتكمون ، وقد جرت العادة بقص بعض الأزواج قصة خلافه مع زوجته إلى بعض أصدقائه (المقربين) والدعوة إلى فض تلك المشاحنات بالحديث إلى الزوجة ونحو هذا ؟
ـ أقول : قد بين تعالى الطريق الذى يجب أن نسلكه عند عند وقوع الخلاق والشقاق بين الزوجين فقال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء : 34) .
ـ فعلى الزوج والزوجة إذا وقع الخلاف اللجوء إلى الحكمين ، حكماً من أهله وحكما من أهلها ، وليس الصديق (المقرب) لتحكى له الزوجة مدى معاناتها مع زوجها ، فيربت "الصديق" على كتف الزوجة ، وتضع هى رأسها على كتفيه تبكى من سوء معاملة زوجها ، ثم يأخذ هو دوره فى الشكوى ! فيشكو إليها إهمال زوجته له ، وكم كان يتمنى أن يتزوج امرأة فى مثل جمالها وعقلها وووووو ، ثم يقع ما هو معلوم للخاصة والعامة ، فالحذر الحذر أختاه ، والحذر الحذر أيها الزوج من نبذ كتاب الله تعالى وسنة رسوله  ، فكما تزوجت على كتاب الله وعلى سنة رسوله  ، فلتكن حياتك كلها مرجعها إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة رسوله  ، فى الحب وعند وقوع الشقاق نعوذ بالله تعالى من النفاق والشقاق .
ـ وهنا يجب أن ننبه إلى فصل النساء عن الرجال عند الزيارات العائلية وغيرها : فكثيراً ما نجد الرجل يصطحب زوجته فى زيارة إلى أحد أصدقائه للتعارف بين الزوجات ، فتجلس النساء مع الرجال وتدور العيون ، وينظر الرجل إلى زوجة صديقه وقد "يتحسر" البعض من قلة جمال زوجته مثلما تتمتع به زوجة صديقه ، فيقع الكره والبغض والكره منه لزوجته ، أو تنظر هى إلى زوج صديقتها وتتحسر على كيفية معاملة هذا الزوج الحنون لزوجته وكيف يدللها ويتغزل بجمالها وحسن معاملته لزوجته ، وكيف لا يقع هذا من زوجها…. إلى غير هذا مما هو معلوم للقريب والبعيد .
ـ هذا إلى وقوع الاختلاط المنهى عنه بين الرجال والنساء (1) ، وإثارة الغيرة بين النساء حينما ترى هذه أن تلك ترتدى أجمل الثياب ، وتضع فى أذنها القرط ، وفى يديها من الذهب ما يزن كذا ، وهذا زوجها الأنيق الحنون اللبق المرح الذى لا يأمر ولا يعلو صوته ، خفيف الظل المثقف ، وهذا ….. زوجى…. وهذه ملابسى .


حـق الـزوج علــى زوجتـه
ـ فما هو حق الزوج على زوجه ؟
ـ الجواب : لابد للمرأة أن تعلم عظيم فضل وحق زوجها عليها ، قال تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء : 34)
وقال  فى بيان حق الزوج على زوجه : "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ(1) لِزَوْجِهَا" (2) .
ـ وقال  : "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ" (3) .
ـ وعن حصين بن محصن قال : حدثتنى عمتى قالت : أتيت رسول الله فى بعض الحاجة فقال لى : أى هذه ! أذات بعل ؟ قالت : نعم ، قال : كيف أنت له ؟ قالت : لا آلوه (4) إلا ما عجزت عنه ، قال : فانظرى أين أنت منه فانه جنتك ونارك" (5) .
ـ وجاء رجلاً بابنته إلى النبى  فقال : "هذه ابنتى أبت أن تزّوج ، فقال : أطيعى أباكِ ، أتدرين ما حق الزوج على زوجته ؟ لو كان بأنفه قرحة تسيل قيحاً وصديداً لحسته ما أدت حقه" (6) .
ـ وقال  : "المرأة إذا صلت خمسها ، وصامت شهرها ، وأحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، فلتدخل من أى أبواب الجنة شاءت" (7) .
ـ والمرأة راعية فى بيت زوجها : روى البخارى عن بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ عن النبى  قال : "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (1) .
وقال  مبيناً حق الزوج على زوجته ، وحق الزوجة على زوجها : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ(2) عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ (3) وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" (4) .
ـ إن أول حقوق الزوج على زوجته أن تعينه على طاعة ربه  ، فتهيئ له الجو المناسب للطاعة ، ولا ترهقه بطلباتها عامة ووقت عبادته خاصة .
ـ ألا يطأ فراش زوجها من يكره بخيانة ونحوها.
ـ ألا تأذن فى بيته لمن يكره لقوله  : "وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ " .
وعند مسلم فى رواية أبى هريرة : "وهو شاهد إلا بإذنه" وهذا القيد خرج مخرج الغالب ، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضى الإباحة للمرأة بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة فى النهى عن الدخول على المغيبات أى من غاب عنها زوجها .
وقال النووى فى هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن فى بيته إلا بإذنه وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعاً معداً لهم سواء كان حاضراً أم غائباً فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً .
ـ قوله : "إلا بإذنه" أى الصريح وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا فيه نظر .
ـ وعليه فلا تُدخل من يبغض أو لا يرضى دخوله البيت : سواء أكان الأب أو الأخ أو أى من أقاربها إذا لم يرضى زوجها بهذا .
ـ تنبيه : ولتكن إجابة الزوجة على من يطرق بابها من خلف الباب ، ولا تفتحه إلا لمن تعرف أنه لا حرج فى رؤيتها أو دخول بيتها ومملكتها ، لا أن تفتح لكل زاعق وناعق ممن يطرق بابها .
ـ ومن حقوق الزوج أيضاً :
ـ خدمة المرأة زوجها : وهو واجب على الزوجة لقوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة : 228) ، وقال  وقد سأله أحدهم :مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" (1) .
فبّين تعالى أن للرجال على النساء كما للنساء على الرجال حق ، فكما أن على الزوج العمل والكد وإطعام الزوجة والأولاد وهو فرض عليه لازم ، على الزوجة حقوق ، منها خدمة الرجل فى بيته وهو واجب كما تقدم ، وليس هو على الاستحباب كما يقول البعض ، كما أن خدمة المرأة أهل الزوج هو على الاستحباب وليس على الوجوب كخدمتها زوجها .
ويقول الإمام ابن القيم : "قال ابن حبيب فى "الواضحة" : حكم النبى  بين على بن أبى طالب  وبين زوجته فاطمة ـ رضى الله عنها ـ حين اشتكيا إليه الخدمة فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت وحكم على على بالخدمة الظاهرة ، ثم قال ابن حبيب : والخدمة الباطنة العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله .
وفى الصحيحين أن فاطمة ـ رضى الله عنها ـ أنها : "شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى فَأَتَتِ النَّبِيَّ  تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ أَقُومُ فَقَالَ مَكَانَكِ فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي ، فَقَالَ : أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " (1) .
فاختلف الفقهاء فى ذلك فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له فى مصالح البيت وقال أبو ثور عليها أن تخدم زوجها فى كل شئ .
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها فى شئ وممن ذهب إلى ذلك مالك والشافعى وأبو حنيفة وأهل الظاهر قالوا لأن عقد النكاح إنما اقتضى الإستمتاع لا الإستخدام وبذل المنافع قالوا والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق فأين الوجوب منها .
واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطحنه وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت فمن المنكر والله تعالى يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : 228) ، وقال تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) (النساء : 34) وإذا لم تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها فهى القوامة عليه .
وأيضا فإن المهر فى مقابلة البضع وكل من الزوجين يقضى وطره من صاحبه فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها فى مقابلة استمتاعه بها وخدمتها وما جرت به عادة الأزواج .
وأيضاً فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة وقولهم إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً يرده أن فاطمة كانت تشتكى ما تلقى من الخدمة فلم يقل لعلى لا خدمة عليها وإنما هى عليك وهو  لا يحأبى فى الحكم أحداً ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه لم يقل له لا خدمة عليها وأن هذا ظلم لها بل أقره على استخدامها وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية هذا أمر لا ريب فيه .
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة وفقيرة وغنية فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها وجاءته  تشكو إليه الخدمة فلم يشكها وقد سمى النبى فى الحديث الصحيح المرأة عانية فقال : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" والعانى الأسير ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده ولا ريب أن النكاح نوع من الرق كما قال بعض السلف النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين والأقوى من الدليلين (1) .
ـ ألا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه : لقوله  : "وألا تخرج من بيتها إلا بإذنه" (2) وقوله  : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" (3) والعانى هو الأسير ، ولا يخرج الأسير من تحت يد سيده إلا بإذنه ، وسواء أكان مدخول بها أم لازالت تعيش فى بيت أهلها ولم يُدخل بها بعد .
ـ ألا تضع المرأة ثيابها فى غير بيتها :ولتحذر المرأة من وضع ثيابها فى غير بيتها لقوله  : "مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا" (4) .
ـ ألا تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه :روى البخارى عن أبى هريرة عن النبى  : "لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ" (5) .
ـ قال الحافظ : قوله : إلا بأذنه : يعنى فى غير صيام أيام رمضان وكذا فى غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت ، قال النووى فى شرح المهذب وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الأول قال فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله قاله العمرانى ، قال النووى ومقتضى المذهب عدم الثواب ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهى ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم .
قال النووى فى "شرح مسلم" : وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها فى كل وقت وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا واجب على الترأخى وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه ، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد ، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك أن لم يثبت دليل كراهته ، نعم لو كان مسافراً فمفهوم الحديث فى تقييده بالشاهد يقتضى جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافراً فلو صامت وقدم فى أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة وفى معنى الغيبة أن يكون مريضاً بحيث لا يستطيع الجماع .
وحمل المهلب النهى المذكور على التنزيه فقال : هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه ، انتهى .
وهو خلاف الظاهر وفى الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع" (1) .
ـ كما أن من حق الزوج على زوجه ألا تنفق من بيته شيئاً إلا بإذنه :
قال  : "لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامُ قَالَ ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا" (2) .
قال الإمام البغوى : أجمع العلماء على أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنه فإن فعلت فهى مأزورة غير مأجورة .
ـ وإذا وافق الزوج كان لها وله الأجر : فقال  : "إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا بِهِ أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ " (1) ، وهذا بعلم المرأة من أمر زوجها من حب الإنفاق والتصدق ، هو بالإذن العام منه فى الإنفاق ، أو أن يكون لها مال خاص بها من إرثٍ ونحوه ، أو أن يكون لها مال خاص من زوجها خاص بها .
ـ ألا تطلب الطلاق : وهذه عادة تجرى على ألسنة الكثير من نساء المسلمين ، فتجد إحداهن إذا طلبت من زوجها أمراً ما ولم يلبه لها يفاجأ الزوج بزوجه تطلب الطلاق ! من غير ما بأس ولا عنت منه ولا شدة ، ثم إذا لبى الزوج طلب زوجته فطلقها ! جلست تندب حظها وسوء حالها ، قال  : "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" (2) .
ـ أن تصبر على فقر الزوج : ولها فى أزواج رسو ل الله الأسوة الحسنة ، فعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت لعروة : "إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ  نَارٌ فَقُلْتُ يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتِ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ  جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ(3) وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ  مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا" (4) .
ـ وعن أنس قال : "فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ " (5) .
ـ وعن أبى هريرة  قال : "مَا عَابَ النَّبِيُّ  طَعَامًا قَطُّ إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ" (6) .
ـ ألا تؤذى زوجها لفظاً أو عملاً ، فلا تسفه له رأياً ، ولا تنتقص له عملاً ، قال رسول الله  :" لا تؤذى امرأة زوجها فى الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه ، قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا"(1) .
ـ ألا تهجر فراشه :
روى البخارى عن أبى هريرة  عن النبى  قال : "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ " (2) .
ـ قوله : "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ" : قال بن أبى جمرة : الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله : "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" (3) أى لمن يطأ فى الفراش والكناية عن الأشياء التى يستحى منها كثيرة فى القرآن والسنة ، قال وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلاً لقوله : "حَتَّى تُصْبِحَ" وكأن السر تأكد ذلك الشأن فى الليل وقوة الباعث عليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع فى النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك ، ا هـ .
ـ وقد وقع فى رواية يزيد بن كيسان عن أبى حازم عند مسلم بلفظ : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا" (4) فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار (5) .
وقال  : "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ" (6) .
ـ وتأمل فعل أم طلحة ـ رضى الله عنها ـ وقد مات ولدها (1) فعن أنس قال : "مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ قَالَ فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ ، فَقَالَ(2) ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَقَعَ بِهَا فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ قَالَ لَا قَالَتْ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ  فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا قَالَ فَحَمَلَتْ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ  قَالَ يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى قَالَ تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا قَالَ وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ لِي أُمِّي يَا أَنَسُ لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  قَالَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ قُلْتُ نَعَمْ فَوَضَعَ الْمِيسَمَ قَالَ وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ  بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ قَالَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ" (3) .


حــق الزوجـــةـ إذن فما هى حقوق الزوجة ؟
ـ الجواب : قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم : 6) ، وقال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه : 132) .
إن أول وأولى حقوق الزوجة بالوفاء هى تعليمها فرائض ربها (1) ، وبيان حق ربها عليها ، فإن هى عرفت حق الله تعالى عرفت حق زوجها عليها ، وأول الحقوق بالوفاء لربها "الصلاة" ، وهذا يعنى بدوره أنه لابد أن يكون الزوج مصلياً ، وأن يأمر أهله بالصلاة ، وهو مع أمره لهم بالصلاة دعوة إلى الصبر عليهن والاصطبار ، فلا يدعو بغلظة أو شدة ، بل يحبب إليها الصلاة ، ويُعلَّمها ويُعلمها أنه كما يحبها يريد أن يحبها الله تعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ وأنه كما يريدها زوجة له فى الدنيا يريدها زوجة له فى جنة الله تعالى فى الآخرة ، فلا يحبها دنيا ويهملها ويجحفها حقها آخرة ! .
يقول  : "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ" (2) .


ـ هل هذا يعنى أن الزوجة التى لا تصلى يفرق بينها وبين زوجها ؟
ـ الجواب : ذهب كثير من أهل العلم إلى تكفير تارك الصلاة كفراً أكبر أى يخرج من الملة ، وعليه رتبوا الأحكام ، فقالوا : إذا كان متزوجاً ـ ولا يصلى ـ يُفرَّق بينه وبين زوجته ، فلا يحق للمرأة المسلمة المصلية أن تعاشر الكافر تارك الصلاة ـ والعكس ـ وقالوا : تارك الصلاة ـ إذا مات ـ لا يُغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين ، ولا ولاية لتارك الصلاة على ابنته المصلية عند الزواج ، إلى غير ذلك من أحكام تارك الصلاة ، فالأمر جد عظيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، والأولى بالفتاة إذا تقدم إليها الخاطب أن تسأله أول ما تسأله عن صلاته وعن صلته بربه كما تقدم بيانه .


ـ وماذا أيضاً من حق الزوجة على زوجها ؟
ـ الجواب : قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) (البقرة : 228) .
فبين تعالى أن للنساء على الرجال حق كما للرجال على النساء ، قال وقد سأله أحدهم : يا رسول الله : مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" (1) ، فيطعمها مما يطعم ـ وترضى هى بما قسمه الله تعالى لهما من رزق ـ ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ولا يقبح فعلها أو قولها ، فيسفه رأيها وعملها ، ولا يهجر إلا فى البيت .
ـ وقال  : "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" (2) ، فالعدل مطلوب أخى المسلم ، وكما تحب أن تعاملك زوجتك عاملها ، فلا تطلب حقك وتأبى أن تعطيها حقها .
وروى البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله : "يَا عَبْدَاللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" (1) .
ـ قال الحافظ فى الفتح : لا ينبغى له أن يجهد بنفسه فى العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك أن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما ونحوه عن أحمد والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه وقيل يجب مرة وعن بعض السلف فى كل أربع ليلة وعن بعضهم فى كل طهر مرة .
ـ ألا يهجر إلا فى البيت : لقوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء : 34) وقوله  : "وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" (2) ، لا كما يفعل البعض بأن يهجر الفراش والبيت فترى البعض يخرج للسهر والسمر مع الأصدقاء تاركاً خلفه زوجته كما مهملاً ، فيخرج ليمرح ويفرح حتى إذا عاد إلى بيته عاد بالوجه العابس ، ومنهم من يهجر البيت إلى بيت أهله !!!! .
فالسنة أن الرجل إذا أراد الهجر هجر فراشه أو غرفته إلى غرفة أخرى أو مكان آخر فى البيت ، لا الهجر بالكلية .
ـ مساعدة الرجل زوجته فى شئون البيت : وهو على الاستحباب :
عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : "كان رسول الله  إذا دخل البيت كأحدكم يخيط ثوبه و يعمل كأحدكم" (1) ، وفى رواية : "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ" (2) وفى رواية : "كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ" (3)، وفى رواية:"كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ" (4) .
فلا حرج على الزوج أن يساعد أهله فى بعض شؤون البيت ، فيُعد لنفسه الطعام أو الشراب ـ سواء كانت الزوجة تشعر بالتعب أو المرض أم لا ـ فإن هذا العمل منه يُدخل على نفسها السرور وتشعر بحب زوجها لها واهتمامه بها والحرص على راحتها وسعادتها ، ولا ينتقص هذا الفعل من "رجولة الرجل" بل يزيد من محبة زوجته لها ، وسيرى منها جزاء هذا أضعاف وأضعاف ، فالمرأة "بئر" من الحنان والعطف والحساس المرهف الجميل ، فقط عليك أن تغترف الغرفة الأول منه وسينبع هذا البئر ويروي لك حياتك بكل عاطفة جياشة تتمناها .
ـ صبر الرجل وحلمه على زوجته : ولما قال تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) (النساء : 34) دخل فى قوامة الرجل أنه الأكثر صبراً واحتمالاً وتؤدة وغير ذلك ، فعلى الرجل أن يكون أكثر صبراً واحتمالاً من المرأة ، وتأمل كيف كان كانت بعض أزواج النبى  يهجرنه إلى الليل ، وتحدث أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ وعن أبيها وكان بينهما أبو بكر  ـ وكان قد دعاه ليحكم بينهما ـ فقال النبى : تكلمي أو أتكلم ؟ فقالت : تكلم أنت ، ولا تقل إلا حقاً ! فلطمها أبو بكر حتى أدمى فاها وقال : أوَ يقول غير الحق يا عدوة نفسها ! فاستجارت برسول الله وقعدت خلف ظهره ! فقال النبى : إنّا لم ندعك لهذا ، ولم نُرِد منك هذا" (1) .
ـ فتأمل حال أم المؤمنين وهى تشتكى ثم لا تجد إلا أن تستجير بالنبى من أبيها ! وهى ما استجارت به إلا لعلمها برأفته وحبه وحنانه وشفقته  .
-وهى التى تقول يوماً للنبى : أنت الذى تزعم أنك نبى ؟ !! فتبسم رسول الله  .
ـ كمن تقول لزوجها يوماً : أنت الذى تزعم أنك "ملتزم" بدين الله !! فليصبر وليحتمل وله فى رسول الله  القدوة والأسوة الحسنة .
ـ ألا يلوح لها بالطلاق : وهذا يعنى أن يحذر أمر الطلاق أن يقع منه ، أو يذكره عند كل صغيرة وكبيرة تقع بين الزوجين ، فالتلويح بالطلاق يُشعر المرأة أنها لم تعد تملك هذا البيت ، وأنه لا حق لها فيه ، وهى مجرد ضيف تقيل سرعان ما يذهب عند أول مشاحنة بينها وبين زوجها ، وكم زلزل التلويح بالطلاق بيوتاً ، وآتى عليها وقوعه .
ـ ألا يطيل فترة غيابه عنها :
أما المدة التى للرجل الغياب فيها عن زوجته فنسوق هذه القصة التى رواها الإمام مالك فى الموطأ قال : "بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة ، مر على بيت من بيوتات المسلمين فسمع امرأة من داخل البيت تنشد :
تطاول هذا الليل وازور جانبه وارقنى أن لا ضجيـع ألاعبــه
ألاعبـه طـوراً وطـوراً كأنمـا بدا فمراً فى ظلمة الليل حاجبه
يُســر بـه من كان يلهو بقربه لطيف الحشا لا يحتويه أقاربـه
فوالله لولا الله لاشئ غيــره لحرك مــن هـذا السرير جوانبه
ولكننى اخشـى رقيباً موكلاً بأنفسنا لا يفتـر الدهـر كاتبـــه
مخافة ربــى والحياء يصدنى وإكرام بعلــى أن تنــال مواتبـه
فسأل عمر  عنها قيل له : إن زوجها غائب فى سيبل الله تعالى ، فبعث إلى زوجها حتى أعاده إليها ، ثم دخل على ابنته حفصة فسألها : كم تصبر المرأة على زوجها ؟ قال : سبحان الله ، مثلك يسأل مثلى عن هذا ؟! فقالت : خمسة أشهر ، ستة أشهر ، فوقف عمر وقال لا يغيب رجل عن أهله أكثر من ستة أشهر .
ـ فماذا عن وصايا الزوجين ؟
ـ الجواب : وصايا الزوجين كثيرة فمنها أولاً : وصية الأب ابنته عند الزواج :
وصى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ابنته فقال : إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق ، وإياك وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء "أى الكراهية" ، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة ، و أطيب الطيب الماء .
ـ ثانياً : وصية أم ابنتها عند الزواج : خطب عمرو بن حجر ملك كندة أمَ إياس بنت عوف بن مسلم الشيبانى ، ولما حان زفافها إليه خلت بها أمها أمامة بنت الحارث فأوصتها وصية تبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة ، وما يجب عليها لزوجها مما يصلح أن يكون دستوراً لجميع النساء فقالت :
أى بنية : إنك فارقت الجو الذى منه خرجت ، وخلَّفت العش الذى فيه درجت ، إلى وكرٍ لم تعرفيه وقرينٍ لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليك رقيباً ، فكوني له أمةً يكن لك عبداً وشيكاً ، واحفظى له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً :
أما الأولى والثانية : فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة .
وأما الثالثة والرابعة : فالتفقد لمواضع عينيه وأنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح .
وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت منامه وطعامه ، فإن تواتر الجوع ملهبة ، وتنغيص النوم مغضبة .
وأما السابعة والثامنة : فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله .
وأما التاسعة والعاشرة : فلا تعصين له أمراً ، ولا تفشين له سراً ، فإنه إن أفشيت سره أو خالفت أمره أوغرت صدره ولم تأمنى غدره ، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مغتماً ، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً .
ـ ثالثاً : وصية الزوج لزوجته : قال أبو الدرداء لامرأته ناصحاً لها : إذا رأيتنى غضبت فرضى وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب :
خذى العَفو منــى تستديمى مودتى ولا تنطقى فى سَورَتى حين اغضبُ
ولا تنقرينــى نقـركِ الـدفَ مـرةً فإنك لا تدريـن كيـف الُمغّيـبُ
ولا تُكثرى الشكوى فتذهب بالقوى ويأبـاك قلبـى والقلـوب تقلــبُ
فإنى رأيتُ الحبَ فى القلبِ والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحبُ يذهـبُ


سلـوكيـــاتـ فماذا عن السلوكيات التى على العروسين التحلى بها فى بيت الزوجية لتكون الحياة التى يظللها الحب والود والسكن والرحمة كما قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم : 21) .
ـ الجواب : من المقرر أن "مركب" الحياة الزوجية تحتاج إلى مجدافى الرجل والمرأة معاً لتصل إلى بر الأمان والحب والوئام ، وهذا يستلزم من الرجل والمرأة المشاركة الدائمة فى التعاون معاً ، وألا يطلب طرف أن يأخذ دائماً دون أن يعطى ، بل عليه أن يبادر هو بالعطاء ولا ينتظر الأخذ ، بل يفعل ما يطيق وما يسعه فى سبيل إسعاد الطرف الآخر والتخفيف عنه عناء الطريق الطويل ، وعلى الرجل أن يكون أكثر احتمالاً بحكم تكوينه الجسدى وقوامته فيأخذ مجدافى المركب ليسير بها إلى شاطئ الحب والأسرة السعيدة ، ولا تتركه المرأة يجاهد ويكد وهى تشاهد هذا دون أن تبادله الابتسامة وتعطيه اللمسة الحانية والكلمة الطيبة التى تجعله لا يشعر بألمٍ أو تعبٍ من وعثاء الطريق ، فهى تجلس أمامه على طرف "المركب" كأميرة أو ملكة متوجة يأخذها أميرها ومليكها إلى جزيرة بعيدة عن أعين الذئاب فى الطريق وفى وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، لعيشا معاً عمرها الجميل ، فلابد أن يراها الرجل فى أبهى صورها من ملبس وملمس وكلمة طيبة رقيقة حانية .
ولنعلم أن السلوكيات التى على العروسين التحلى بها كثيرة جداً ومنها : حسن العشرة .
فأول هذه السلوكيات التى على الزوجين التحلى بها : حسن العشرة :
ـ فعلى العروس ـ الرجل والمرأة ـ أن يحسن كل منهما معاشرة الآخر، وقد حث تعالى فى كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الزوج بحسن العشرة فقال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء : 19) ، وقال  : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (1) ، وقال  : "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا" (2) .
ـ وقال  : "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ (3) وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" (4) . ـ وقال  : "كل شئ ليس فيه ذكر الله فهو (لغو) وسهو لعب ، إلا أربع (خصال) : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين (5) ، وتعليم الرجل السباحة" (6) .
ـ ومن صور حسن المعاشرة أسوق إليك أيها الزوج الحبيب هذا الحديث الطيب الكثير الفوائد وآداب حسن المعاشرة لمن تدبره وتأمله ، وفيه بعض ما تبغضه النساء فى الرجال ، وبعض ما تحبه النساء فى الرجال فتأمله وزِن نفسك مع أى فريق أنت ، والحديث رواه البخارى ومسلم (1) عن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت (2) : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا .
ـ قَالَتِ الْأُولَى : زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ .
ـ تصف زوجها بأنه كلحم الجمل ، وهو من أنواع اللحم غير المحببة إلى الناس ، وهو مع كونه لحما مزهود فيه ، فهو على رأس جبل عالٍ ! وهذا الجبل لا سهل فيرتقى إلى اللحم المزهود ، ولا هو باللحم السمين فأتحمل مشقة صعود وتسلق الجبل .
ـ قَالَتِ الثَّانِيَةُ : زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.
ـ تقول : زوجى لا أنشر خبره ، إنى أخاف إن أنا تحدتث عنه ألا أفيكم بيان معايب زوجى ومساوءه ، ولكن … إن كنتُ أحدثكم عنه فيكفى أن اذكر عجره ، والعجر : العقد التى تكون فى البطن واللسان ، والبجر: العيوب ، فتحدثت عن عيوبه الظاهرة والباطنة .
قال الخطابى : أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة ، قال : ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن .
ـ قَالَتِ الثَّالِثَةُ :زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ .
ـ تصفه بأنه طويل مذموم الطول ، أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع ، وقد قال ابن حبيب : هو المقدم على ما يريد ، الشرس فى أموره ، وقيل : السيئ الخلق .
تقول : أنها إن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقها ، وإن سكتت عنده فإنها عنده معلقة لا زوج ولا أيم ، فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها ، وأنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئاً من ذلك بادر إلى طلاقها ، وأنها إن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة التى لا ذات زوج ولا أيم .
ـ قَالَتِ الرَّابِعَةُ : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ .
ـ تصف زوجها بأنه لين الجانب ، خفيف الوطأة على الصاحب ، ويحتمل أن يكون ذلك من بقية صفة الليل ، ثم وصفته بالجود ووصفته بحسن العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن ، فكأنها قالت : لا أذى عنده ولا مكروه ، وأنا آمنةٌ منه فلا أخاف من شره ، ولا ملل عنده فيسأم من عشرته ، فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل .
ـ قَالَتِ الْخَامِسَةُ : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ .
ـ تصفه بالغفلة عند دخول البيت على وجه المدح له (1) ، وشبهته فى لينه وغفلته بالفهد ، لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر وكثرة النوم ، أو تصفه أنه إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد (2) ، وإن خرج كان فى الإقدام مثل الأسد ، وأنه يصير بين الناس مثل الأسد ، أو تصفه بالنشاط فى الغزو ، وقولها : ولا يسأل عما عهد : تمدحه بأنه شديد الكرم كثير التغاضى لا يتفقد ما ذهب من ماله (1) .
ـ قَالَتِ السَّادِسَةُ : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ(2) وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ(3) وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ(4) وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ(5) .
ـ تصفه بأنه أكول شروب نؤوم ، إن أكل لا يبقى شيئاً من الطعام ، والإشتفاف فى الشرب استقصاءه فإن شرب لا يبقى شيئاً من الشراب ، وإن نام رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضاً ، ولا يمد يده ليعلم ما هى عليه من الحزن فيزيله .
ـ قَالَتِ السَّابِعَةُ : زَوْجِي غَيَايَاءُ(1) أَوْ عَيَايَاءُ(2) طَبَاقَاءُ(3) كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ .
ـ تصفه بالحماقة ، كأنه فى ظلمة من أمره ، وانه عيي اللسان (4) لا يهتدى إلى مسلك ، ووصفته بثقل الروح وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذى لا إشراق فيه ، وتقول أن كل شئ تفرق فى الناس من المعايب موجود فيه ، وتصفه بسوء المعاملة لأهله ، إن ضربها فإما أن يشجها أو يكسرها أو يجمع لها الاثنين .
ـ قَالَتِ الثَّامِنَةُ : زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ .
ـ تمدح زوجها بأنه لين الخلق ، وحسن العشرة ، فهو فى ريح ثيابه ، كالزرنب ، وهو نبات طيب الريح ، وفى لين كلامه ولطف حديثه وحلاوة طباعه كالأرنب فى لين الملمس .
ـ قَالَتِ التَّاسِعَةُ : زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ.
ـ وصفته بطول البيت وعلوه وكرمه ، أو بنسبه الرفيع ، طويل السيف مما يدل على شجاعته وإقدامه ، وهو مع ذلك سخى كريم الأضياف ، فرماد البيت كثير من كثرة الأضياف ، وهو مع هذه كله زعيم قومه فى ناديهم القريب من البيت .
ـ قَالَتِ الْعَاشِرَةُ : زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ .
ـ تصفه بالكرم والثروة وكثرة القِرى والاستعداد له ، والمبالغة فى صفاته ، والتقديم له بالسؤال للتنبيه على عِظم شأنه ، فقولها : وما مالك ؟ تعظيم لأمره وشأنه ، وأنه خير مما أشير إليه من الثناء والمديح كله على الأزواج السابق ذكرهم ، فمالك هذا له إبل كثيرة ، دائمة البروك بالحظيرة انتظاراً لقدوم الضيف ، ولهذا الرجل علامة وإشارة بينه وبين أهله أو خدمه ، فإذا نزل بهم الضيف ، أعطى الرجل الإشارة بالمزهر ، دلالة لإعداد الطعام ـ فلا يسمع الضيف ندائه بإعداد الطعام فيتحرج ـ وقد اعتادت الإبل عند سماع الملاهى أن توقن بالهلاك وهو النحر ، ليقدم لحمها طعاماً لضيوفه ، وهذا غاية الكرم .
ـ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ .
أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ .
ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ .
بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ ؟ طَوْعُ أَبِيهَا ، وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا .
جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا .
قَالَتْ : خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا ، وَقَالَ : كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ ، قَالَتْ : فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ ".
ـ قولها "أناس من حلى أذنى" أى حلانى بأنواع الزينة التى تعلقن بأذنى .
ـ قولها "وبجحنى فبجحت إلى نفسى" أى : سرنى وفرّحنى بحسن معاملته فعظمت نفسى فى عينى ، أو عظمنى ورفع من شأنى فعظمت نفسى فى عينى ، حتى شعرت بأنى أميرة الأميرات ، رغم أنه :
ـ وجدنى فى أهل غنيمة بشق … أى : وجدنى فى أهل فقراء ، ليس لهم من الغنم إلا قليل ، فانتشلنى من هذا الحال فجعلنى فى أهل الثراء مع الخيل والإبل والزرع والخدم والدجاج وسائر الأنعام .
ـ فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقنح : أى أتكلم فلا يقبح قولى أو يسفهه ، وعنده أنام فلا يوقظنى أحد حتى استيقظ من نفسى ، وإذا شربت ارتويت من الشراب .
ثم هى بعد أن وصفت زوجها انتقلت بالثناء إلى أمه وابنه وابنته بل حتى إلى جاريته ، وهذا إنما يدلك على مدى تعلق هذا المرأة بزوجها ، فهى لم تكتفى بمدح الزوج حتى اتبعت هذا بالثناء على أمه (حماتها) ! تصفها بأن سمينة الجسم واسعة البيت ، وابنه : هادئ الطباع قليل الطعام ، وابنته : سمينة كأمها ، وهى طوع أمر أبيها وأمها ، وهى غيظ جارتها : أى جيران أبيها وأمها ، أو غيظ جارتها : أى أن زوج البنت كان متزوجاً عليها فكانت هى أفضل أزواجه - جارتها - إليه ، ثم إليكم أيضاً وصف جارية وخادمة أبى زرع : فهى كتومة لا تنشر خبر بيتنا والحديث عنه ـ هذه الجارية أو الخادمة وليست الزوجة ! ـ ولا هى تهمل أمر طعامنا فهى ليست بالمبذرة ، أو ليست بالتى تسرق من ثمن طعامنا عند شرائه ، وهى مع هذا كله نظيفة ، تحافظ على نظافة بيتنا !!! .
ثم أخذت بالعود مرة أخرى فى بيان حال أبى زرع ، تقول : خرج زوجها ذات يوماً ـ لعله كان غاضباً ، فرأى امرأة جميلة معها ولدان يشبهان البدر فى الجمال ، والفهد فى الحيوية والنشاط ، يلعبان بثديى أمهما ، اللذين يشبهان الرمانتين ، تقول : فطلقنى ونكحها ، تقول : فتزوجت بعده رجلاً سرياً شريفاً ، أعطانى كل ما أريد من أنواع النعم ، ولم يبخل على بشئ ، وقال لى : تمتعى وأعطى أهلك ما تشائين من أنواع الخيرات ، تقول : فلو جمعت كل شئ أعطانيه هذا الزوج الثانى ما بلغ أصغر آنية أبى زرع ، وذلك لشدة حبها وعظم الخير الذى كان عند زوجها الأول (1) .
ـ قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ" هذه رواية البخارى ومسلم ، وفى رواية للطبرانى" كنت لك كأبى زرع لأم زرع ، لكن لا أطلق النساء" .
ـ ومن صور حسن المعاشرة أيضاً : إشاعة المرح والسرور والبهجة والتلطف مع الزوجة ، روى البخارى (2) عن عروة عن عائشة قالت : "رَأَيْتُ النَّبِيَّ  يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ" .
ـ وعن الصديقة بنت الصديق عائشة ـ رضى الله عنها ـ أيضاً قالت : "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ  فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ ، فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ بِتِلْكَ " (1) .
ـ وعنها أيضاً ـ رضى الله عنها ـ قالت : "كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ  فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ  فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ" (2) .
ومن السلوكيات التى على الزوج التحلى بها أيضاً :
ـ ألا يطرق أهله ليلاً :
روى البخارى عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ قال : "كَانَ النَّبِيُّ يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا" (3) ، وعنه أيضاً أن النبى قال : "إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ " (4) .
قال أهل اللغة : الطروق بالضم المجئ بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار إلا مجازاً .
وقال بعض أهل اللغة : أصل الطروق الدفع والضر وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها وسمى الآتى بالليل طارقاً لأنه يحتاج غالباً إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الأتى فيه طارقاً .
ـ وقول  فى رواية أخرى صحيحة عن جابر  : "إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا" وفيه التقييد فيه بطول الغيبة ، أى يشير إلى أن علة النهى إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، بخلاف من يخرج نهاراً إلى عمله ثم يعود ليلاً ، وإنما المراد من طالت غيبته فلا يطرق أهله ليلاً بدون تنبيه خشية أن تقع عينه على ما يكره من عدم النظافة ونحوها مما قد يسبب له النفرة ، والشرع الحكيم إنما يحرض على الستر ، وقد وقع فى بعض الروايات : "أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ " .
ـ فعلى الزوج عند عودته من العمل مثلاً ألا يهم على أهله ليلاً فيفتح عليها الباب "بالمفتاح" دون الاستئذان والتوطئة بدق "الجرس" مثلا لئلا يرى منها ما يكون سبباً فى نفرته منها ، أو يطلع على عورة منها لا تريد منه أن يراها .
وفى حديث الإسراء والمعراج هذا الأدب اللطيف فى الاستئذان ويظهر جلياً فى دق جبريل  باب السماء الأولى طلباً للصعود والدخول ، ثم تكرر هذا الأمر فى كل سماء ، وسؤال الملائكة الطارق فيرد باسمه ثم سؤالهم عمن معه وهكذا… وفى هذا من الحكم والأدب ما على المسلم من تأمله وتدبره (1)
ـ ومن السلوكيات التى على الرجل التحلى بها أيضاً : مراعاة غيرة النساء .
روى أنس قال : "كَانَ النَّبِيُّ  عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ  فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ(2) فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ  فِلَقَ الصَّحْفَةِ(3) ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ(4) صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ " (5) .ـ ففى هذا الحديث التنبيه إلى عدم مؤاخذة الغيراء لأنها فى تلك الحالة يكون عقلها محجوباً بشدة الغضب الذى أثارته الغيرة .
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء لكن إذا أفرطت فى ذلك بقدر زائد عليه تلام وضابط ذلك ما ورد فى الحديث الآخر عن جابر بن عتيك الأنصارى رفعه : "إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ  وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ  وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ  وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ  فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ  فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ  اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ  الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ" (1) .
ـ وهنا ننبه "الرجال" الذين تهاونوا فى أجساد نسائهم فأصبحت مرتعاً لأعين الذئاب فى كل مكان ، فى الطريق ، فى العمل ، فى وسائل الإعلام ، حتى دخل العرى والتهاون "بالعِرض" بيوت المسلمين ـ إلا من رحم الله ـ حتى يرى "الرجل" زوجته تجلس أمام "شقتها" مع جارتها وقد ارتدت ما يكشف كتفيها وبعض صدرها ، وساقيها ، أو تجالس أصدقاء الزوج ـ فى الزيارات ! ـ وقد تعرى صدرها أو ظهرها بعد أن تعرت هى من أوامر ربها ، حتى صارت "الدياثة" هى العرف السائد فى بيوت وشوارع المسلمين ، حتى أصبحت صاحبة النقاب هى "العفريت" الذى تهدد به بعض الأمهات أبنائها الصغار! وغدا "الرجل" يرى ابنته تخرج إلى "الدِراسة" أو العمل وهى ترتدى "الجينز أو الاستريتش" وقد بدت عورتها ومفاتن جسدها لكل لذى عينين، تخرج الفتاة بهذا الزى ويراها الأب وهو يحتسى كوب "الشاى" ولا يتحرك فيه ساكناً ! بل وصل الأمر ببعض الأباء بضرب ابنته إذا شعر الأب بتحولٍ فى حياة ابنته من التبرج إلى الالتزام بشرع ربها وستر عورتها ! وقد نسى الأب قول النبى :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" الحديث ، وغاب عن الأب فى دنيا الناس أنه سيقف يوماً بين يدى رب السموات والأرض ليسأله عن تلك الذنوب التى تحملها هو وابنته بخروجها متبرجة ـ وهو يجلس يحتسى شاى الصباح ! ـ فكل نظرة على المتبرجة بذنب تتحمله هى ومن تركها تخرج بهذا التبرج والسفور ـ وغاب عن الأب والزوج قوله  : "لا يدخل الجنة ديوث" (1) وهو الذى يقر السوء فى أهله ! .
لهذا وجب على الزوج التنبيه واستنفار الغيرة فيه على أهل بيته ، روى البخارى عن سعد بن عبادة أنه قال : "لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ النَّبِيُّ  أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي" (2) .
وعن عبد الله عن النبى  قال : "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ" (3) .
و عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن رسول الله  قال : "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" (4) .
وعن عروة بن الزبير عن أمه أسماء أنها سمعت رسول الله يقول : "لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ  " (5) .


ـ ومن أبواب حسن العشرة أيضاً : النهى عن الضرب المبرح :ـ قال تعالى : (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء : 34) وقال : "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا" (1) .
يقع كثير من الأزواج فى خطأ عظيمٍ وهو تعد حدود الله فى مراتب تأديب النساء ، فيبدأ أحدهم أول ما يبدأ بالضرب ، وقد أرشد تعالى عباده المؤمنين إلى كيفية تأديب المرأة التى تخاف نشوزها ، فبدأ تعالى بموعظة الزوجة وتخويفها عذاب الله  إن هى عصت زوجها ، وأنه جنة المرأة أو نارها ، وأنه لو كان لأحد أن يسجد لأحد لسجدت المرأة لزوجها من فرط طاعته عليها ، واصحب هذه الموعظة ببيان مدى حبك لها ، وليكن أمامك قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (المؤمنون : 96) ، وقوله  : "لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ" (2) ، والمراد بالقوارير : جمع قارورة وهى الزجاجة ، والمراد : النساء ، وإنما شبههم  بالقوارير : أى الزجاج : لرقتهن وضعفهن ولطفهن .
فإن هى لم تتعظ وتثب إلى رشدها انتقل الزوج إلى المرحلة الثانية فى التأديب وهى "الهجر فى الفراش" فيهجر الرجل زوجته فى فراشها ويوليها قفاه ، أو يهجر حديثها إظهاراً لغضبه .
فإن عادت إلى حظيرة الطاعة فبها ونعمت ، وإلا انتقل إلى المرتبة الثالثة وهى الضرب لقوله تعالى : (وَاضْرِبُوهُنَّ) ، وقوله فى حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله  فذكر حديثاً طويلاً وفيه : "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ" (1) الحديث ، وفى حديث جابر الطويل عند مسلم "فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ" (2) أى غير مؤلم (3) ، وروى البخارى عن عبد الله بن زمعة عن النبى  : "لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ" (4) .
ـ فضرب النساء لا يباح مطلقاً بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم ، فهو ضرب تأديب وليس ضرب العبد أو الأمَة أو ضرب التعذيب ، وليحذر الوجه .
وقد جاء النهى عن ضرب النساء مطلقاً فعند أحمد وأبى داود والنسائى وصححه بن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبى ذباب : "لَا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ اللَّهِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ  فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ فَضُرِبْنَ ، فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ  طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ" (5) وله شاهد من حديث ابن عباس فى صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبى بكر عند البيهقى .
ـ وقوله : "ذئر" بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أى نشز بنون ومعجمة وزاى ، وقيل معناه غضب واستب ، قال الشافعى : يحتمل أن يكون النهى على الاختيار والأذن فيه على الإباحة ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ، ثم إذن بعد نزولها فيه .
ـ وفى قوله : "أن يضرب خياركم : دلالة على أن ضربهن مباح فى الجملة ومحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما فى وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة فى الزوجية إلا إذا كان فى أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي فى الباب حديث عائشة : "ما ضرب رسول الله  امرأة له ولا خادماً قط ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا فى سبيل الله  أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله" (1) .
ـ فالزوج لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد أن يستنفذ السبل والمراتب التى بينها تعالى فى كتابه ، وكلما ابتعد الزوج عن الضرب كان له أفضل ، وقال : "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم" (2) .
قال ابن الأنبارى : لم يرد الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحداً ، وإنما أراد ألا ترفع أدبك عنهم (3) .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : أن يتأدب الرجل بأدب خلع الحذاء عند ولوجه بيته فى المكان المخصص له .
ـ أن يتأدب بأدب وضع ملابسه عند خلعها فى مكانها المخصص لها ، كى لا يرهق زوجه بكثرة الأعمال فى البيت .
ـ كما على الزوج أيضاً أن يعرف حقوق وواجبات أهل عروسه ، فيكون فى استقبالهما بالإبتسامة والترحيب ومجالستهم…
ـ ومن السلوكيات أيضاً التى على الزوج أن يتحلى بها فى بيته :
ـ الحذر مما يقع فيه كثير من الأزواج حيث ترى بعضهم وقد ظن أنه بزواجه فهو صاحب البيت ومالكه وكأنه يعيش فيه وحده ، فلا تراه زوجه إلا وهو رث الثياب ـ ما دام داخل البيت !!! ـ ولا تشم منه إلا أقذر ريح ! سواء كان جالساً أم قائماً ! (1) .
ـ ترخيم اسم الزوجة : عن أبى سلمة إن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : "قال رسول الله  يوماً : يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ، فقلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى ، تريد رسول الله " (2) .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : أن يذّكر الرجل زوجه بأنها أجمل هدية قدمتها له فلانة حين عرضتها عليه ، وأنها أجمل من دخل حياته ، وأنه سعيد بهذا الزواج ونحو هذا .
ـ أن يطعمها : بأن يضع اللقمة فى فيها ـ وله فيها أجر ـ أثناء الأكل ، وأن يكثر من المزاح (3) والابتسام خفيف الظل ، أثناء الطعام ، "وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً" ، أخرجه مسلم .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : ما يفعله بعض الأزواج بمحادثة زوجته من عمله ليطمئن عليها ، وما أجمل أن يحدثها فى الهاتف بعد خروجه من البيت أو فى عمله أو قبل عودته فيقول لها : أحبك … ، وما أروع هذه الكلمة وأوقعها عند الزوجة ، وما أجمل هذا الفعل أيضاً من الزوجة لزوجها.
ـ ومنهم من يعود إلى بيته ومعه هديته : زهرة ، شيكولاته ، مصاصة ! نعم مصاصة ، فقط تشعر الزوجة أنك تتذكرها دوماً ، علبة حلوى ، شئ تحبه الزوجة ويعرف الزوج هذا منها ، إلى غير ذلك ، فسبل التعبير عن حبك لزوجتك وأنها معك دائماً وتفكر فيها دوماً كثيرة ، فقط أطرق الباب ، وستجد أضعاف هذا من زوجتك .
ـ ومن السلوكيات أيضاً : تزين الرجل لزوجته : فعلى الرجل أن يتزين لأهله كما يحب أن تتزين هى له (1) ، وقد كان  يتزين لأهله ، وكان من خير زينته السواك ، كما سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ عما كان يبدأ به  عند دخوله بيته ؟ قَالَتْ : بِالسِّوَاكِ(2) .
وقد قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : 228) ، وقال : "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ" (1) فكما أن للمرأة أن تتزين لزوجها ، على الرجل أيضاً أن يتزين لزوجه ، وكما يحب منها أن تستحم وتمشط شعرها وتتطيب ونحو هذا قبل الجماع ، فعليه أيضاً مثل هذا ، فكما يريد أن لا يشم منها إلا أطيب ريح ، فلها أيضاً مثل ذلك ، فعليه أن لا تشم منه إلا أطيب ريح ، وكما يريد منها ألا يراها فى ثياب رثة ، فلها أيضاً وعليه أن لا تراه فى ثياب رثة ، وقد روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه قال : إنى لأتزين لإمراتى كما تتزين لى .


تحفة العروسين
مجدى بن منصور بن سيد الشورى
فهرس


الموضوع الصفحة
مقدمة ------------------------------------- 3
كلمة شكر --------------------------------- 6
الترغيب فى الزواج ------------------------------ 7
التحذير من الزنا -------------------------------- 12
محبة الزوجة ---------------------------------- 14
أزواج النبى  --------------------------------- 16
سرارى النبى  ----------------------------- 20
الزواج فى الجاهلية ----------------------------- 20
أسس اختيار الزوجة ----------------------------- 21
مواصفات الزوجة الصالحة -------------------------- 21
أسس اختيار الزوج ----------------------------- 28
الكفاءة فى النكاح ------------------------------ 31
صلاة الاستخارة -------------------------------- 34
إباحة النظر إلى وجه المخطوبة ------------------------- 36
النهى عن المغالاة فى المهور -------------------------- 43
دبلة الخطوبة ---------------------------------- 45
ما يباح للخاطب بعد الخطبة ------------------------- 49
النفقة على الزوجة ------------------------------ 50
العروس ليلة الزفاف ----------------------------- 50
حكم الذهاب إلى الكوافير -------------------------- 51
نتف الحواجب --------------------------------- 52
المانيكير ------------------------------------- 52
الغناء فى العرس -------------------------------- 52
لا نكاح إلا بولى ------------------------------- 56
الفاظ التزويج --------------------------------- 56
الفرق بين النكاح والزواج ------------------------ 58
الدعاء للعروسين ------------------------------- 60
ليلة الزفاف ----------------------------------- 61
وضع على رأس الزوجة -------------------------- 62
قصة من الواقع -------------------------------- 62
ما يقول الرجل حين يجامع أهله ------------------------ 65
فض غشاء البكارة ------------------------------- 66
كيف يأتى الرجل أهله -------------------------- 67
الوليمة ------------------------------------- 69
القسم الثانى
الشروط فى النكاح ------------------------------ 71
حكم الإسلام فى من تزوج بامرأة فوجدها حبلى -------------- 72
المحرمات من النساء ---------------------------- 72
فصل -------------------------------------- 77
فصل -------------------------------------- 78
فصل -------------------------------------- 79
فصل -------------------------------------- 80
نكاح التفويض --------------------------------- 83
نكاح الشغار ---------------------------------- 84
نكاح المحلل ----------------------------------- 85
نكاح المتعة ----------------------------------- 85
نكاح المحرم ----------------------------------- 86
نكاح الزانية ---------------------------------- 86
أنكحة فاسدة --------------------------------- 86
الخلع -------------------------------------- 87
زواج المسيار ---------------------------------- 96
زوج الهبة ------------------------------------ 96
الزواج العرفى ---------------------------------- 96
الأدلة على فساد النكاح بدون ولى --------------------- 99
الرد على الإمام أبى حنيفة --------------------------- 101
الدليل الذى اعتمده الإمام والرد عليه ------------------- 102
أسباب اللجوء إلى الزواج العرفى ---------------------- 105
تعدد الزوجات --------------------------------- 106
صبغ المرأة لشعرها ----------------------------- 110
تفسير : الحمو --------------------------------- 110
الخلاف بين الزوجين ---------------------------- 111
حق الزوج ---------------------------------- 112
من حقوق الزوج أيضاً --------------------------- 115
النهى عن وضع المرأة ثيابها فى غير بيتها ------------------- 118
النهى عن صيام المرأة وزوجها شاهد -------------------- 118
النهى عن إنفاق المرأة إلا بإذن زوجها ------------------- 119
النهى طلب الطلاق ------------------------------ 120
الصبر على فقر الزوج --------------------------- 120
النهى عن هجر الفرش --------------------------- 121
حق الزوجة ---------------------------------- 123
النهى عن الهجر إلا فى البيت ------------------------ 125
مساعدة الرجل زوجته فى شئون البيت -------------------- 126
صبر الرجل وحلمه ------------------------------ 126
التحذير عن التلويح بالطلاق ------------------------- 127
النهى عن إطالة فترة الغياب ------------------------- 127
وصايا الزوجين --------------------------------- 128
سلوكيات ----------------------------------- 130
حسن العشرة حديث أم زرع ------------------------- 130
من صور حسن العشرة أيضاً ------------------------- 139
النهى عن الطرق ليلاً ---------------------------- 139
مراعاة غيرة النساء ------------------------------ 140
النهى عن الضرب المبرح ------------------------ 143
سلوكيات ----------------------------------- 146
ترخيم اسم الزوجة ------------------------------ 146
سلوكيات الزوجة ------------------------------- 148
تحريم إفشاء سر الإفضاء ------------------------ 148
التحذير من كفران العشير ------------------------ 150
إظهار المرأة غضبها ---------------------------- 151
الزوجة لا تحمد زوجها ------------------------- 152
كيف يستديم محبة زوجته -------------------------- 153
النهى عن طاعة الزوج فيما يخالف الشرع ----------------- 156
النساء ناقصات عقل ودين -------------------------- 157
الزواج فى بيت الأهل --------------------------- 159
كذب الرجل على زوجته ------------------------- 160
كذب المرأة على زوجها ------------------------- 160
فتى الأحلام ---------------------------------- 160
الفرق بين الزوج والمرأة ------------------------- 162
الفرق بين البعل والزوج -------------------------- 167
أبواب الجماع --------------------------------- 168
أحكام الجماع --------------------------------- 168
فنون الجماع وأشكالها -------------------------- 173
شُبه وردود ----------------------------------- 181
أحكام الوطء فى الدبر -------------------------- 212
أحكام الوطء فى الحيض ------------------------ 121
حكم العزل ----------------------------------- 131
أضرار العادة السرية ----------------------------- 134
كيفية العلاج ---------------------------------- 136
كيفية علاج المربوط ---------------------------- 264

Bookmark and Share

أقسام المدونة

2015 (1) أبراج (44) اتصالات (113) أحياء (1) اخبار (136) اخطاء (1) ادسنس (2) ادعيه (7) أزواق (1) إستخراج (1) إسرائيل (7) اسرار (1) أعشاب (19) أعياد (1) أغانى (7) أفريقيا (1) أفكار (2) أفلام (4) إقتصاد (19) الأردن (2) الأرض (12) الاسره (1) الأطفال (33) الإلكترونيه (3) الألوان (1) الأنبياء (1) البحرين (1) البشرة الدهنيه (1) البيئة (14) الترتيب (1) الجزائر (2) الجن (1) الربح (7) الرجل (40) الرسول (12) الزواج وأنواعه (31) السعوديه (10) الشبكة (9) الشعر (30) الشمس (6) الشوربات (19) الشيطان (2) الصيف (1) الصين (2) ألعاب (3) العالم (19) العراق (3) العنكبوتيه (1) الفراسه (6) القمر (4) القنوات الأجنبية (3) الكويت (1) الله (20) ألمانيا (2) المرأه (96) المغرب (2) المنصورة (2) الهجرة (7) الهند (2) الهيدروجين (1) أمثال (1) أمراض_الجسم​ (1) أمريكا (10) إنجلترا (1) أوراكل (4) أوروبا (1) إيران (2) إيميلات (5) باكستان (1) بترول (1) بحث (4) برامج (29) برمجة (6) بريطانيا (2) بسكلته (5) بشرتك (10) بطاقات (1) بناء (1) بنوك (2) بورصة (23) تاريخ (45) تحب (3) تحضير (1) تخسيس​ (1) ترددات (15) تركيا (1) تركيب (1) تساقط (8) تطوير المواقع (29) تعريفات (16) تعليم (43) تفاحة​ (1) تفاحة_فى_اليوم​ (1) تكنولوجيا (44) تلوث (3) توقعات (12) تونس (1) تونس. سفارات (1) ثورة (1) جمال (4) جوال (1) جوجل (19) حذف الباتش (1) حساسية (2) حشرات (1) حقائق (1) حقيقه ام خيال (23) حقيقه_وخيال​ (1) حكم (1) حيوانات (5) خضروات (8) خلق (2) دبى (2) دليل (2) دورات أمن المعلومات (19) دورة (4) ديكور (1) دين (120) ذهب (2) رسائل (1) رمز (1) رمضان (9) روسيا (3) رياضه (14) زراعه (9) زيادة (1) سامسونج (1) سفارات (5) سلامة (1) سندوتشات (2) سوريا (1) سويسرا (1) سيارة (6) شخصيات (64) شخصيتك (18) شركات (32) شعر (5) شمس (3) صحتك (289) صلصه (5) صناعة (1) صور (11) طائرات (2) طاقة (3) طاقه المستقبل (1) طاقه حره (2) طب (1) طب_ولا_عك​ (1) طيور (18) عسكرى (25) عسل (1) علاج (70) علم البصريات (6) علماء (1) علوم (18) عيد (1) عيون (17) غاز (2) فتاوى (1) فرنسا (2) فضاء (16) فلسطين (12) فلك (12) فليسطين (3) فوائد (10) فواكة (8) فواكة_وخضروات​ (1) فودافون (4) فوركس (3) فيديو (9) فيس بوك (2) قاعدة البيانات (2) قتال (6) قصص (12) قطر (4) قمر العربسات (2) قيام الليل (1) كاريكتير (3) كتب (12) كربوهيردات​ (1) كمال اجسام (1) كمبيوتر (84) كوبا (1) كوريا (1) كيتو​ (1) كيمياء (23) لغة (1) لهجات (1) ليبيا (1) لينكس (2) مجموعة (1) محرك (4) مسجات (1) مشروعات (4) مصر (111) مطبخك (214) معادن (1) معلومات (29) مقاتلات (1) مقالات (31) مكونات (2) منتجات زراعيه (1) مهارات (1) مواقع (61) موبايل (1) موضه (2) مياه (4) نشيد (1) نصائح (8) نظم (6) نكت (8) نوكيا (15) هندسه (5) هواتف (54) وصايا (1) وظائف (9) ويندوز (3) يوتيوب (5) AdSense (4) AdWords (1) call center (2) ebay (2) Egypt (1) HSPA (2) ORACLE (2) qmax (1) search (1) seo (3) Wikipedia (2)

 
;